حين ينعتك أحدُهم حماراً، ستختار أن تحدِّثنا عن بداية العالم التي أكلت نفسها كما فعلت نهاية العالم. ولن يكون هذا أقل سخفاً من طرشقة لبانة. ولن يمنع الإنسان من محاولاته الملحّة لبداية العالم كل لحظة، إثباتاً لوجوده. وهذا بالذات ما سيكون برهاناً أكيداً على أن العالم لم ولا ولن يبدأ أبداً، فكيف ينتهي. على الأقل سنعرف أن هذه السلسلة التاريخية الطويلة المتناسلة ليست هي العالم، وإنما (الرّوح)، التي كانت دليلاً محضاً على وجود الإنسان، أسبغته علينا إشراقة الإدراك تعزيةً من نجوم الألم تنمو بلورياً في الأدمغة، هي العالم. واقيات ذكرية صفراء سابحة في خواء الـ(لا) تنبسط وتنطوي وتقلّب نفسها بلا توقف فتصير البطن ظهراً والظهر بطناً، في وتيرة لا تكلّ، عبر فمها المطويّ في حلقةٍ تتثنّى. ثم لما استأصل الملتصقان (الروح) غدا كل ما حدث بعد ذلك بحثاً عنها تارةً، وتفنيداً لها تارةً أخرى. وهو ما سُمي العالم. كأنّ أحداً لا يعرف أن العالم يبدأ بالفعل في بطن أية لحظة ويحدث وينتهي. هكذا. وأن اللحظات لا تتالى، كما رأيتم. وعندما يحدث العالم في بطن لحظة كهذي، يحدث أيضاً في بطن اللحظة التي تزحف إلى جانبها على رأس هذا الحديث الذي ابتعد كثيراً كما ترون عن المستقبل، وها هو يرغب في البكاء. التاريخ يؤلم بطنَه. وكلما أخبرَته آلة الأسلوب بأن المستقبل يؤلم أشدّ، رغب في البكاء أشدّ مما بكى عندما أخبروه بأن عربات السمك انقلبت كلها قبل ناصية السوق، وعرف الحمار أن المستقبل يرقد الآن في بطن بداية العالم.