Charcoal jar

Thursday, April 4, 2019

جــاء ضُـحـىً

جاء ضُحىً
وهو يغالب عينيه.
رويداً رويداً،
توارى عنّا موج الهجير.
تكلّمْنا في سعة الضِّيق
وضِيق السعة،
الطير والشجر،
الغزاة والرّيح.
وابتلّت عيناه
عند ذكر الغزلان
في ذلك الوادي.

هكذا،
رحنا نتشادٙى إنشاد الرواعيّة،
حتى صاحت السدرة محنقةً من خلفنا:
لا يُعقٙل!

أين بئري


كلما تقاذفَتْ قلبي أهواؤه
وتنازعته كواكبه،

تذكّرتُك يا يوسف

واشتهيتُ البئرَ
البئرَ
البئرَ

اشتهيتُ كموني
وأنوثتي
وانتظاري،

عسى أن أرى دلوَ العزيز يراني
وأسمعه
يتناثر نازلاً بإزائي من وراء حجاب
وتخرج كلماته المشتاقة من فم الكون
يصيح:
ياااا بشرى
هذا غلام!.

Thursday, March 28, 2019

النّـور قريب

يده حرشاء كأنها ظاهر السمكة.
سأعرف حالاً،
وأنا أصافحها أول مرة،
أنها محفوفة بالمخاطر.

لكنها ليست علامته،
وإن كانت باغية الظهور ولا تُنسى.
علامة النور كلابه.
النور قريب.

مِن هناك إلى هناك، هَوْ هَوْ هَوْ:
تقول الكلاب.
وكلما فتحت النافذة: هَوْ هَوْ هَوْ،
فأعرف
أن
النور
قريب.

الرعب ذاته دائماً: النور قريب.
الرعب ذاته.
لقد حضر النور.

القانون: 
إذا حضر النور عليك أن تحضر.

والنور لا يحضر إلا عندك.
عندك: أي لا مفرّ.
عندك: أي حيث أنت حاضر سلفاً.
عندك: النور يلد النور.
الرعب ذاته.
النور قريب.

في النهاية لا بدّ أيضاً من سمكة.

Wednesday, March 27, 2019

حِــلٌّ بهذا البلد

إننا على قطار.
في إحدى عربات الوسط.
اقترب القطار من البيت.
رأينا فتيان الحارة 15 يلعبون الكرة في الميدان كعادتهم كل عصر.
السماء صافية وضوء الشمس يغمر المكان بلا حرارة.
حملنا حقيبتينا الصغيرتين استعداداً للنزول.
لم يهدئ القطار من سرعته.
صحتُ وصاحبي ثم أخرجنا رايتين،
ورحنا نمدّ يدينا بهما من النافذة ونلوح للسائق أن يتوقف لنا كي ننزل.
ركضنا نحو أذرع المكابح وأزرار التنبيه الحمراء لكن فات الأوان.
لم ننزل.
لم يتوقف القطار.
مرّ من فوق البيت والميدان في سرعة وصخب متزايدين، 
وما عدنا نراه.
قال لي صاحبي: المحطة التالية في الغدير. سننزل هناك. هيا.
مشينا بإصرار تحت مطر كثيف في محاذاة خط السكة الحديد من خارج السور الشاهق.

وصلنا لاهثَين ومبلولين إلى مشارف قرية الغدير، 
وعلينا أن نصعد الجبل الطيني قبل المحطة ونعبره إلى الجهة الأخرى.
تخفيفاً، قذفنا بحقيبتنا إلى أعلى.
ورحنا نتسلق من فجوات صغيرة في جسد الجبل الطيني، لكنها كانت زلقة جداً، فتردَّيْنا كثيراً والفجوات تنهار بأيدينا وأقدامنا كل مرة من فرط البلل.
عند الفجر، صعدنا أخيراً.
وأتانا صوت الجليلة إخلاص من جانب القرية، صاعقاً وقوياً كما هو.
"يا أرضُ يا ثائرة، يا نقطة الدائرة
جاء ابنك القيّوم، يهدي الخطى الحائرة"*.
نعرف الكلمات لكن لم نعرف من قبل أنها أنشدتها.
سألني صاحبي: هل أنشد ذاك الفتى غيرها؟
تناولنا الحقيبتين وانزلقنا نازلين بيُسر من الجهة الأخرى.
وثيابنا مثقلة بالطين والبرد.

رأينا رجلاً واقفاً على مسافة في ثياب مثقلة بالطين والبرد أيضاً.
نظر إلينا باهتمام ثم مضى منعطفاً عند شارع قريب.

المحطة خالية ولا أثر للقطار.
قلت لصاحبي: دعنا نعود إلى البيت إذاً.
قال إنه يريد النزول. قال إنه سيلحق بالقطار إلى محطة العنقريب.
انتبهت إلى أني أحمل حقيبته، فمددت بها إليه ليعطيني حقيبتي.
لكنه لم يفهم.
قلت له شارحاً: يبدو أننا تبادلنا الحقائب فوق الجبل.
قال: لا. حقيبتي معي. انظر.
حقاً.
لم تكن التي معه هي حقيبتي. كانت معه حقيبته. 
والتي معي ليست حقيبتي.
إن هذه مثل التي يحملها التلاميذ، حقيبة صارخة الألوان ومكتظة.
حقيبة من هذه؟

انتبهنا في حيرتنا ووجدنا ذلك الرجل الذي رأينا أولاً قد عاد، 
وأنه يقف الآن قريباً منا، 
في جلباب أبيض ونظيف.
كان يصغي إلى حوارنا.
قال بصوت مجلجل:
إن كانت هذه حقيبة شخص آخر فلا بدّ أنكما قد قتلتما صاحبها.
اجتمع الناس من حولنا،
وصرنا متهَمَين كثيراً بقتل هذا الولد الذي وجدوه مقتولاً يتوهّج فوق الجبل الطيني،
وإلى جانبه حقيبتي.
 _____
*من قصيدة للشاعر عوض الكريم موسى، سجّلها المنشدان عبد الكريم علي موسى في (١٢ مايو ١٩٧٧) وصدّيق عبد الله في (٣ ديسمبر ١٩٧٩م). 
النص والتسجيلان على موقع الفكرة الجمهورية: (يا أرض يا ثائرة).