Charcoal jar

Friday, April 27, 2012

المياه ومجاريها


عشنا زماناً في كوكبنا، قبل بناء الجامع، نخرج في الصباح إلى حقولنا، وعصراً نعود. وقلّ ما نعرف شيئاً عن الناس في الكواكب الأخرى سوى ما يخبروننا به حين نلقاهم في الحقول. وبين هذا اليوم وذاك نولد ونموت. لم نكن بحاجة إلى أن نعرف أكثر من أنفسنا والقليل عن الآخرين يقينا. صحيح أننا أقدمنا على أفعال كثيرةٍ ما كنا لنقدم عليها في ظروف أخرى، واجتنبنا ذات يوم أفعالاً سنأتي بها في يوم آخر. وعرفنا أن ما يقضمه الحب منا تقضمه الكراهية. وكما ضحكنا بكينا. وكما رأينا الكواكب تولد وتنطفئ، ورأينا القرى تزدهر وتحترق، ورأينا رعشات الشفاء ورعشات الأوبئة، رأينا بهجة الناس بالناس وبالحياة، وعزّة الحرب والحب والجسارة والموت، ورأينا صحوة الأعياد في اللحم والأعراس. وكلما زغرد الكون فينا، بكل صوت، وبكل صمت، عرفنا أننا مستعدّون للحياة استعدادنا للموت.
وما كان الجامع، الذي بدأ أبناؤنا في إقامة جدرانه وسط البيوت، لينذر بأن شيئاً سيتغير. هل كان علينا أن نعرف مثلاً كم كان عددنا بالضبط قبل بناء الجامع؟، وحتى إذا أردنا، هل كان في وسعنا أن نعرف؟، وبعضنا يولدون ويموتون دون أن يعرفوا أن أناساً غيرهم يعيشون في الجانب الآخر من النهر، وبعضنا لم يخرجوا من أحشاء الجبال والأدغال منذ شروق شمس الناس، وبعضنا لا تَرى عتباتُهم قدماً غريبة، وبعضنا. بعبارةٍ أخرى، لم يكن عددنا يزيد ولا كان ينقص. كنا وعددنا شيئاً واحداً. كنا نحن وما زلنا نحن. نَعَتْنَا أنفسنا بأمور كثيرةٍ، يصدُق بعضها ويطيش الآخر، على أننا لم نبلغ من الجهل حدّ أن نَصِمَ أنفسنا بكاويةٍ واحدة. ولن يبلغ بنا حدّ أن يجعلنا الكذّابُ أُمّاً لأُخته. ولكن أن يُنسى وجودنا؟. أن لا نوضع في أيّ عداد؟. لم نتوقع أن هذا الجامع سيجذب الجدري إلى كوكبنا كحجر المغناطيس.
كانوا قلةً من أبنائنا، سبعة، ما دام شجر التعداد هذا يملأ الآن حقولنا، ونحصده ملء قطيع من الأفيال تنبح في الشوارع كالبراميل. كانوا سبعةً من أبنائنا. أكملو بناء الجامع يوم الجمعة ودخلوا فيه. قالوا أولاً: (ما اليوم؟، وكم نحن؟). إنهم إذاً اليوم سبعة. وفي السبت هم ثمانية. وفي الأحد خمسة عشر. وفي الاثنين عشرون. وفي... وفي الجمعة الثانية كنا جميعاً داخل الجامع. فما الذي حدث؟. لا أحد يستطيع أن يخبركم بما حدث. وإذا جاءكم مَن يقول إنه سيخبركم بما حدث، فاعلموا أنه كذّاب. ليست المفاجأة أننا لم نعد نخرج إلى الحقول، وهذا صحيح، وإنما أننا لم نكن نخرج أصلاً إلى الحقول. وليس لأنّ الحقول لم تكن موجودة، وهذا "صحيح"، وإنما نحن مَن لم نكن موجودين. وُلدنا يوم الجمعة الثانية، في الجامع. وبدلاً من الخروج إلى الحقول، حول الكوكب، صرنا ندخل إلى الجامع، في قلب كوكبنا.
ونحن نجيد العدّ والتاريخ.
لم نكن في البدء إلا سبعة...
بنينا الكوكب. وفي يوم الجمعة، وحدنا كنا موجودين. كوكب؟، هل من كوكب سوى كوكبنا هذا الذي بنينا في الجمعة الأولى؟. حقول؟، خارج كوكبنا هذا؟، ههههه!، يا لها من مزحة!.

Thursday, April 12, 2012

ذكرى الغابات


لِمَ يميل الأطفال إلى التضاحك والتلفُّت والتمايُل حين يغنون أو يمثلون أو ينشدون شعراً، أو حين يحاول مَن يكبرونهم الاطلاع على كتاباتهم أو رسوماتهم؟. خجلاً؟، تشكُّكاً؟، تنصُّلاً من جدية الأمر؟. ربما. ولكن لِمَ يخجلون ويتشكَّكون ويتنصَّلون؟. ربما لأنهم يدركون أنهم في موقفٍ لا يليق به إلا التضاحك والتلفُّت والتمايُل. وربما لأنهم في حِلٍّ من التِماس الرأي والاستجابات مصداقاً لما بين أيديهم. وربما لأنهم الأحرار القادرون على اللعب الحر. وربما لأنهم لا يخجلون من خجلهم وتشكُّكهم وتنصُّلهم. وربما لأنهم لم يتقنوا بَعد فنون الانكسار: الحقيقة والتباهي واليقين والجدري والتقيُّد.