Charcoal jar

Tuesday, March 13, 2012

ثعلب التلّ

(هِييي، أعمى، ألا ترى أين تقف؟).
نبياً برز الحيوان من وراء التلّ يتأوّد.

وليس لأنّ الجبل يقف على حقلك المثمر بيتاً،
أيها الحيوان،
صائحاً من فم الممكن،
واقفاً منحنياً على لسان التلّ،
مرتعشاً،
راقص الأذنين،
أحمر،
رفعتَ خطمك الصغير الأسود اللامع تنتهر الجبل:
(هِييي، أعمى، ألا ترى أين تقف؟).

أهذه يدٌ لتهزّها وتلوّح؟.
إنها قَدَم أمامية بقفاز أبيض.
ولكن لمن تهزّها وتلوّح؟.

أهذا ما أتى بك،
يا ثعلباً أحمر يزرع الفضاء ويحصد الجبل؟.

Saturday, March 10, 2012

يقولُ الباب

حبيبي ما بِهَذَا الضّوْءِ كثَّاً
ونحن مَن الشّظايا علَّمَتنا
وقادت خطوَنا الضّاحي بِلَيْلٍ

لتَخْبُرَ معدنَ الأشواكِ فينا
وتَعلَمَ إنْ صِلابَ الروحِ أنّا
فَجُزْنا في هلامِ الضّوءِ غَمْرَاً
رأينا ما يَرِينُ على وجوهٍ
عواءً ضامراً ودماً حليباً
يُغَطّونَ المكان بما تبقّى
ولا من ميّتٍ يطأُ الحُمَيّا
سوانا، والسّوَى وجهٌ بليدٌ

أنا والمستحيلُ سبقتُ ليلِي
عَلَوْتُ المستحيلَ بكيتُ مَرْحَى
فما عادَتْ يدُ المعقولِ أُمّي

حبيبي ما بِهذا الضّوْءِ يُرخِي
ويُطعِمنا شموسَ الخوفِ كي لا
فهذا رقصُ أعمدةٍ طِوَالٍ
تسيحُ ظلالُها في الرّملِ هَونَاً
وآيُ الرقصِ قرآنٌ كتيمٌ
ويُرْسِلُنا بياناً غِبّ نَدْحُو
كواكبَ غامضاتٍ يا حبيبي
يُزيّنّ المتاهةَ لي فإنّي
أذُرّ الصمتَ في الحافَاتِ حتّى
أيَا أشياءُ واْهْلَكْ يا صباحاً
ومُوتي أنتِ يا أنوارُ حَوْلِي
فَلَيْلِي بَعْدُ قوّادُ الشظايا

وأتْرُكُ للمياهِ الليلَ ترفو
فتختلجُ الستائرُ في مياهي
بأشكالٍ مُعَمّاةٍ تنادِي
حبيباً ممكناً حيّاً محالاً
أصاخ فأسرجَ المفتاحَ قبراً
حبيباً كم تناديهِ الطّوايا
تنادِي كُنْ معي في الصِّفرِ حتى
وزِدْنِي غربةً أزدادُ أهلاً

أقولُ لحدأةٍ صرَخَت حنيناً
وعندي سلسلٌ حيٌّ بروحي
فأقرأُ  أسطُراً في اللّحمِ كُنّتْ
أيا محجوبةَ المعنى جمالاً
وطِيْرِي في يَدٍ طُوِيَتْ حِجَابَاً
تجاوِبُكِ الحياةُ بصوتِ قرْعٍ
يَقُضُّ كنانةَ الأفلاكِ قَضّاً
من المحجوبِ أحراشاً وطَمْيَاً
تَرَيْنَ مَدَارَكِ الطّاغي يُغَذِّي
سَعاداتٌ مُجوّفَةٌ وتوقٌ
وتنْزيلٌ من الأشياءِ يأتي
أمَا وقَد اْستقامَ لكِ التّعَرِّي
فطوفي منزلَ الأعدادِ فينا
صلاةَ الهازلينَ لدى المراثي
عسى يستوفِيَ المرئيُّ عيناً


يُراقِصُ طيرَنا خللَ الحديدِ
طِرَادَ الريح من بيدٍ لِبيدِ
إلى بابِ المغامرةِ الوصيدِ

وتشهَدَ لو سنَشْرَقُ بالصديدِ
قُساةً في مقارعَةِ الأكيدِ
وطِرْنا عبرَ مشتبكٍ مديدِ
من الصخرِ اْستبدّت بالوعيدِ
وأكفاناً وكم ذا من عبيدِ
من الألغازِ في الرّصَدِ الرصيدِ
ويسترقُ الرمادَ من البَديدِ
تعلّقَ في فضا روحٍ بليدِ

وقامرتُ الصباحَ على وريدي
صباحُ البابِ ليس صباح عيدي
ولا عادَ الدّمُ الباني حفيدي

ويَهْمِزُ طيرَنا خلل الحديدِ
نصيرَ عواءَ مغربِهِ الجديدِ
تَحَلّبُ فوقها أثداءُ غيدِ
وتَدْرُجُ في المدى كَدَمٍ عنيدِ
يهزّ خرائبَ التيهِ الطريدِ
كواكبَ تائقاتٍ للبعيدِ
يَضَعْنَ النارَ في لغةِ الشريدِ
لفلاّحُ الطُّوَى وأنا حصيدي
يصيحَ الروحُ حولَ الرّمسِ: بِيدِي
من الخوفِ الذي أمْسَى عميدي
وحِتّي عن يَدِي لبنَ الحديدِ
وجلاّبُ الهباءِ إلى جليدي

ثيابَ جنونِه بِدَمٍ شديدِ
تخاتلُ عينَ واحِدي العديدِ
حبيباً فيهِ معراجُ الحدودِ
يسافر فانياً طَيّ الخلودِ
إليّ وسارَ في البابِ الوقيدِ
وتُشْرِقُ سُرّةُ الصّفرِ الوليدِ
تُسِرُّ إليكَ بئرٌ بالوجودِ
بما في المحوِ من وَجْدٍ وجُودِ

وهَمّتْ بالتّمزُّقِ ملءَ جِيدِي
يمهِّدُ لي مغاليقَ الجلودِ
وأُخرى أُلْغِزَتْ في النّحرِ: صِيدِي
صغيراً راكضاً تحت الصديدِ
وجُوْزِي أنهُرَ التيهِ المديدِ
على الأنوارِ مُصطخِبٍ شديدِ
ويأخذكِ العواءُ لتستزيدي
وميثاقاً من اللوحِ الفقيدِ
عِظَامَ الدّهرِ بالطّرْحِ المزيدِ
إلى وصلٍ وجوديٍّ مجيدِ
إليكِ يطوفُ في عُرْيٍ فريدِ
على أكفانِ منزلكِ الوحيدِ
وتابوتَ الحكايةِ واْستعيدِي
وصعلكةَ الفواكِهِ في مسيدِي
ويهدِلُ: إيهِ يا أكوانُ مِيدي

Sunday, March 4, 2012

الفيل في البرميل

(أمّا الخلاص الذي قد ظُنَّ أنه من الداخل؛ بات يلوِّح الآن  بمقصّاته من خلفية وجه كولومبوس. ها أنا في غرفةٍ قد تكون خالية أنحسرُ إلى نفسي فقط/ اليانصيب):
رندا محجوب.

1
تزعم مأثرةٌ مآليَّةٌ عامةٌ أنّ الشخص، عاجلاً أم آجلاً، يدفع ثمن أخطائه، بوجهٍ أو بآخر. بشأني، لطالما كانت أخطائي حبيبةً لي، وبلهاء، وحميمة، وقلما كانت ذات تأثيرات سالبة على حياتي، بل على النقيض، لم أُقْدِم على أمرٍ ظننته صائباً وتفاءلتُ به، كعادة البشريين، إلا وعانيت منه أشدّ العناء، برغم أن (الصَّوَاب) لم يَصِم إلا قدراً ضئيلاً من مجمل اختياراتي وأفعالي. وكثيراً ما كان الخطأُ صوابي الوحيد الممكن، وكان الصوابُ الخطأَ الذي عليّ أن أدفع ثمنه غالياً، وعلى نحو مؤسف. في الحالين؛ لا وزن عندي لمكارم الأخلاق في ما يبدو، فالصواب هو ما يخجلني، لا الخطأ. ولَمّا كانت الأخطاء تُطربني وتفي لي بما تقتضيه حالي، وهي التي أكون على صوابٍ إذ أُقْدِم عليها، فإن الصواب الآخر؛ صواب مكارم الأخلاق، هو الخطأ الوحيد الذي يمكن أن أرتكبه، آسفاً.
2
إننا نستطرف الآن تُحفة (إقليم الأرض الطافي) فوق بحر الظلمات، كما شدا بها طبيعيو السابق، ولم يكونوا فلاسفةً، لم يقولوا إنما نحن فلاسفة؛ كانوا في الحسبان مؤرخين علماء. وها هم، بلسان الحائط العائق، بقوة عين الزوج، بقلب لم يتفتت من العشق، يقولون للعالم كله إنما تطفو الأرض مركزاً على سطح كون من المياه، تطفو الكواكب أيضاً، والنجوم، وفوقها فراديس وجهنمات تستقر عليها أقدام العرش، حولها، سطح مائي محيط يطفو على سطحه كل شيء، تليه الظلمات التي لا يليها تال. والمنطق دائماً عبدُ مقدِّماته يطلب من أجلها المزيد من العبيد. ومن ثَمَّ يُستطرفُ لاحقاً فرحنا البدائيّ بـ(مسطَّح المحايثة). وهذا باكرٌ يتبجَّح. إن الحياة على الإقليم لم تفرح بعد بـ(مسطح المحايثة) كإزعاج بدائي، كمقدمة منطقية، لكنه باكر؛ لأن على إقليم الأرض أن يستطيل أولاً على مسطح المحايثة، قبل أن يسخر منه، كما سخر من مركزيته الطافية على سطح المياه الفاتحة. وكما ارتطم عرش الله الطافي بيابسة التفكير، وارتطمت سلة الرضيع بيابسة التاريخ، وارتطمت أنا الأرض بيابسة الضياع النجمي، سيرتطم أيضاً (مسطَّح المحايثة) التعدُّدي بيابسة العشق. ولكلٍّ سُلالته الباقية خشباً سديمياً محطماً من حفاوة الإقليم يترنح في ضفاف نتائجه.
3
أعني؛ كيف لي أن أجد الصوابَ أو الخطأ في شيء، وتباً.. كيف لي أن (أعتقد)!، وأنا أعلمُ راسخاً أنْ لا أرض في الواقع للحقيقة. لا أرض في الحقيقة للواقع. لا واقع في الأرض للحقيقة. لا واقع في الحقيقة للأرض. لا حقيقة في الأرض للواقع. لا حقيقة في الواقع للأرض. وهي مفارقات نسينا أن نتجاهلها ضمن ما تجاهلنا عمداً من مفارقات؛ وفيها ينضمّ التجاهل الخافي: عمليات الصغائر المنهِكة، كم خسرنا فيها من جنود الصيرورة!. وهل أنسى الرحمةَ الرحمة؛ الضِّمن التجاهليّ الطافي (بقِدْرٍ كأنَّ الليلَ شِحْنةُ قَعْرِها/ تَرَى الفيلَ فيها طافياً لَمْ يُقَطَّعِ: شاعر جاهلي مجهول)؛ وأرى تجاهلاتنا هذي، وأرى وأرى، أرى أموراً تجاهلناها لأنها كانت أبعد عنَّا من الصغائر، من الأرض والواقع والحقيقة، أموراً لا تعنينا، أمورَ (الرائش بينهما) فيلسوف الأحشاء شاتم الصيرورات؛ أموراً تطفو إشارةً خافيةً أو تعبيراً تشاركياً. تحرُّشاتٌ تُقَاطِع الصيرورة المسحورة، سلالٌ طافيةٌ، وعروش طافية، وكواكب ذهنية طافية، ترتطم بيابسة اللحم، تاركةً بيضها يتأقلم صيرورةً وسط سديم اليوم. أتعتقد؟.

Saturday, March 3, 2012

نهر في الذاكرة؟

إنّ الطريقة التي يكوِّن بها بعضُ الناس الصورَ في مسارح أرحامهم لا تسمح لهم قطّ بإدراك تعقيدات الصور التي يكوّنها أناسٌ آخرون، إلا على ذات الطريقة. إنَّ نهراً في الذاكرة لا يمكن أن يعني لهم إلا النهر الذي رأيتُه ذات يوم على الأرض وما زلتُ أتذكّره، استعارةً، على طريقة السؤال الجاري في الإذاعة والتلفزيون: نهر في الذاكرة؟: نهر عطبرة. مدينة في الذاكرة؟. جبل في الذاكرة؟. أما أن يكون نهراً جارياً بالفعل في ذاكرتي البشرية فهو عَصِيّ على إدراكهم، (إلا إذا كان هناك إذاً مكانٌ ما على الأرض يُدْعَى "الذاكرة"، ولنا جميعاً أن نزوره، فنرى نهره، وبركله، وبورسودانه!). تعجيزاً يقولون. وتحفيزاً نقول: (إنه موجود، هذا المكان الذي يُدعى الذاكرة، ولكم أن تزوروه). وحين يفتحون بأيديهم الأقواسَ ملحّين: (أين؟، أين؟)، وتوشك الصورة أن تقطف الرؤوس بمنجل، نتمادى فنذكِّرهم بما كان عليهم أن يذكِّرونا به، ما داموا يمرِّغون حواسّهم ناعمين على ساحل استعارة النهر في الذاكرة: تستطيع الذاكرة أن تكون وأن تحوي ما تشاء، جبلاً، مدينةً، نهراً، كوناً، وكل ما سبق، وغيره، و.... و"لكلّ شيء شجر"، كما قيل للنفّري، ونهر عطبرة.