Charcoal jar

Sunday, March 4, 2012

الفيل في البرميل

(أمّا الخلاص الذي قد ظُنَّ أنه من الداخل؛ بات يلوِّح الآن  بمقصّاته من خلفية وجه كولومبوس. ها أنا في غرفةٍ قد تكون خالية أنحسرُ إلى نفسي فقط/ اليانصيب):
رندا محجوب.

1
تزعم مأثرةٌ مآليَّةٌ عامةٌ أنّ الشخص، عاجلاً أم آجلاً، يدفع ثمن أخطائه، بوجهٍ أو بآخر. بشأني، لطالما كانت أخطائي حبيبةً لي، وبلهاء، وحميمة، وقلما كانت ذات تأثيرات سالبة على حياتي، بل على النقيض، لم أُقْدِم على أمرٍ ظننته صائباً وتفاءلتُ به، كعادة البشريين، إلا وعانيت منه أشدّ العناء، برغم أن (الصَّوَاب) لم يَصِم إلا قدراً ضئيلاً من مجمل اختياراتي وأفعالي. وكثيراً ما كان الخطأُ صوابي الوحيد الممكن، وكان الصوابُ الخطأَ الذي عليّ أن أدفع ثمنه غالياً، وعلى نحو مؤسف. في الحالين؛ لا وزن عندي لمكارم الأخلاق في ما يبدو، فالصواب هو ما يخجلني، لا الخطأ. ولَمّا كانت الأخطاء تُطربني وتفي لي بما تقتضيه حالي، وهي التي أكون على صوابٍ إذ أُقْدِم عليها، فإن الصواب الآخر؛ صواب مكارم الأخلاق، هو الخطأ الوحيد الذي يمكن أن أرتكبه، آسفاً.
2
إننا نستطرف الآن تُحفة (إقليم الأرض الطافي) فوق بحر الظلمات، كما شدا بها طبيعيو السابق، ولم يكونوا فلاسفةً، لم يقولوا إنما نحن فلاسفة؛ كانوا في الحسبان مؤرخين علماء. وها هم، بلسان الحائط العائق، بقوة عين الزوج، بقلب لم يتفتت من العشق، يقولون للعالم كله إنما تطفو الأرض مركزاً على سطح كون من المياه، تطفو الكواكب أيضاً، والنجوم، وفوقها فراديس وجهنمات تستقر عليها أقدام العرش، حولها، سطح مائي محيط يطفو على سطحه كل شيء، تليه الظلمات التي لا يليها تال. والمنطق دائماً عبدُ مقدِّماته يطلب من أجلها المزيد من العبيد. ومن ثَمَّ يُستطرفُ لاحقاً فرحنا البدائيّ بـ(مسطَّح المحايثة). وهذا باكرٌ يتبجَّح. إن الحياة على الإقليم لم تفرح بعد بـ(مسطح المحايثة) كإزعاج بدائي، كمقدمة منطقية، لكنه باكر؛ لأن على إقليم الأرض أن يستطيل أولاً على مسطح المحايثة، قبل أن يسخر منه، كما سخر من مركزيته الطافية على سطح المياه الفاتحة. وكما ارتطم عرش الله الطافي بيابسة التفكير، وارتطمت سلة الرضيع بيابسة التاريخ، وارتطمت أنا الأرض بيابسة الضياع النجمي، سيرتطم أيضاً (مسطَّح المحايثة) التعدُّدي بيابسة العشق. ولكلٍّ سُلالته الباقية خشباً سديمياً محطماً من حفاوة الإقليم يترنح في ضفاف نتائجه.
3
أعني؛ كيف لي أن أجد الصوابَ أو الخطأ في شيء، وتباً.. كيف لي أن (أعتقد)!، وأنا أعلمُ راسخاً أنْ لا أرض في الواقع للحقيقة. لا أرض في الحقيقة للواقع. لا واقع في الأرض للحقيقة. لا واقع في الحقيقة للأرض. لا حقيقة في الأرض للواقع. لا حقيقة في الواقع للأرض. وهي مفارقات نسينا أن نتجاهلها ضمن ما تجاهلنا عمداً من مفارقات؛ وفيها ينضمّ التجاهل الخافي: عمليات الصغائر المنهِكة، كم خسرنا فيها من جنود الصيرورة!. وهل أنسى الرحمةَ الرحمة؛ الضِّمن التجاهليّ الطافي (بقِدْرٍ كأنَّ الليلَ شِحْنةُ قَعْرِها/ تَرَى الفيلَ فيها طافياً لَمْ يُقَطَّعِ: شاعر جاهلي مجهول)؛ وأرى تجاهلاتنا هذي، وأرى وأرى، أرى أموراً تجاهلناها لأنها كانت أبعد عنَّا من الصغائر، من الأرض والواقع والحقيقة، أموراً لا تعنينا، أمورَ (الرائش بينهما) فيلسوف الأحشاء شاتم الصيرورات؛ أموراً تطفو إشارةً خافيةً أو تعبيراً تشاركياً. تحرُّشاتٌ تُقَاطِع الصيرورة المسحورة، سلالٌ طافيةٌ، وعروش طافية، وكواكب ذهنية طافية، ترتطم بيابسة اللحم، تاركةً بيضها يتأقلم صيرورةً وسط سديم اليوم. أتعتقد؟.