Charcoal jar

Monday, August 25, 2014

أنتَ لي

"أنتَ لي
أقفلتُ عليك الخزائن".

هه!
ألِلذي لي أقول؟
ألِمَن يعلم أنه لي أقول؟
ألِمَن أقفلتُ عليه الخزائن؟
ألِمَن كل مكان في جسده يُعِدّ لي العرين؟
ألَه ونباتاتنا تتلاثم سكرانةً كل صباح؟
ألَه وتقاسيمه تُقسّم قلبي كل يوم عليّ؟
ألَه وهو يثأر لي من جمالي؟
ألَه وهو يطعمني قمحة الليل؟
ألَه وأنا أعلم أن الخزائن ليست حصينة؟
ألَه وجنود الملك؟.

له:
"لك
ها خرَقتُ الخزائن
لن يَلمسَك". 

Wednesday, March 26, 2014

أسـلـوب الغـلـطـة


هل ينشأ أسلوبٌ إلا بتنظيم مجموعة من الغلطات معاً ضمن نسق واحدٍ يصيرُ في حضنه أسلوباً وتصير الغلطات خصائصه التي تَسِمُه بالجدّة والفرادة؟. هذا لأنّه لا يَستوي أسلوباً إلا بفعل خصائصه، فإذا لـم تكن خصائصه غلطات في بدء أمرها، كانت محض انتقالاتٍ صغرى تحتذي نسقاً قائماً سلفاً داخل أسلوبٍ قارّ، فهي حينئذٍ من خصائصه القارَّة وليست من خصائص أسلوب جديد. لتصير حركةٌ ما خاصيةً منبثقة؛ نواةً تسهم في إنشاء أسلوب جديد، يجب أولاً أن تكون غلطة. وإنما بغلطاته، بلعثماته، برطاناته، يخترق أيّ أسلوبٍ حُدُودَ النسق ليستوي جديداً.
أسلوب الغلطة أسلوب الأساليب، سديم الأساليب. إنه أسلوب بلا نسق. أسلوب لا يستقرّ قَطّ، فهو لا يَنـِي يولِّد الغلطات واللعثمات والرّطانات والخصائص المنبثقة. ومن عرينه تنمو جميع الأساليب. منها ما يبقى طليقَ العنان، مُستمسِكاً بجموحه، يُولِّد الغلطات والأساليب. ومنها ما يَستقرّ ويَكبح انبثاق الغلطات والأساليب منه، وإنما وفقاً لنسقه تصدر حركاته خصائصَ قارّة مُستنسخةً لا تشذّ عن النهج، فهذا هو الذي يُسمّى "الأسلوب" على وجه العموم.
أسلوب الغلطة هو الوجه الخفيّ لكلّ أسلوب، يُداريه ما استطاع، يُهيل عليه تدابير الوقاية عاداتٍ وانضباطاً وتربيةً وهويّةَ وأصالةً وحدوداً واصطلاحاتٍ وطبائع. وخلف ستار ملامحه القاسية الحازمة، تكحّ آلاتُ التدابير وتلهث وهي تحاول درء فيضان الغلطات المائر في صُلب أسلوبها كنزاً يريد.

Monday, January 13, 2014

حَـديـث الـمِحَـايَة

رأيتُ اليومَ فماً محطّماً في الطريق إلى عَرَفات. أما وأنه مات فربما ساعدته قليلاً. لم يكن يعرف ما جرى له. وكانت وظائفه تتراجف أشلاءً في كل مكان. ودولةٌ صغيرةٌ من فلول الناجين تحاول أن تتكوّن جانباً على الرصيف، وتجهد أن تنعزل عن الحطام إنقاذاً لحصتها من الفم. والظاهر أنه كان فماً كبيراً مهذاراً كثير الطلبات يُستثار بسرعة. وقبل أن أعرف أنني مُيَسَّر لليُسرى هذا اليوم رأيتُ كلمةً غليظةً، قلتُها لحبيبي أمس، تنسلّ من وسط الحطام مكسورة الفكّ تجرّ جناحها المرضوض زاحفةً نحو كلمةٍ صريعةٍ من مقاسها، أعرفها جيداً، أنفقتُ ليلة الأمس بحالها أحاول إبعادها عن فم حبيبي، وهي كالرضيعة لا تطيق له فراقاً، فما إن أُقفِل البرطمان عليها خارجاً، ملتفتاً لأطمئن على فم حبيبي قمراً نقياً من فرط الصلاة والحب يتهادى في سديم الكلوروفورم، حتى أراها هناك ثانيةً مثل آيةٍ لا تكلّ. وأخيراً رأيتها تنمو من بين شفتيه العريضتين ثُقباً شقياً أسودَ شرهاً يَتمطّق، وسمعتُ من جوف البرطمان المظلم همسَ المحاية الفاحش يلتهم جميع الكلمات عداها، ثم الطنين، سمعتُ الطنين المخنوق؛ إنشاد اللامكان الأسود، إنشاد الحروف اليتيمة يعلو من هناك، وأطيافها، نعم أطياف الحروف، هائمةٌ بأقواسٍ كالنمور، تطفو إلى غطاء البرطمان، ثم تحثل ميتانةً إلى القاع بأفواهها تبحث عن مَلاثِم في هياكل الكلمات الخاويةِ، وأمشاطها محلولة. قريب الساعة خمسطاشر ثَقُلَت عيناي، ساقتا قطعان الضياء أمامهما وأدْغَلَتا في كهوف حلقي، فماتت قدماي تحت وطأتي، وسعى قلبي نخاعاً على عظامي، ثم أسرع ينطوى غارقاً في الظهيرة ساطعَ الجنون لا تغيب عنه الشمس. وأنا انطرحتُ على رصيف المحراب، وخدّي على التراب، وعيني على الحطام. تَنازَعَ الضحكُ والبكاءُ على سلطاني هنيهةً، ثم تكاملا في إحساسٍ إمبراطوريّ مؤيّدٍ بكلِّ صراحةٍ عنّت لهما، فالتفتا إليّ بعد البرق وأخبراني حازمين بأنّ عليّ وضع حدٍّ لدولةٍ صغيرةٍ تنمو في حلقي من فلول الناجين. نعم. في غياهب حلقك، وراء مجرة العينين. هكذا إذاً وجد الناجون حاميةً صغيرةً نجت بدورها مما جرى بفضل معجزة غامضة لم يشاءا إخباري بها. ولكن أيّ درويشٍ يخبران؟. أنا، ما إن نظرتُ إلى خُزَع الكلمات الرضيعة في أدغال حلقي تتخلّق من محاية الفم، حتى طفقت ألهث منتشياً. وتملّكتني رغبةٌ مؤكَّدةٌ في مدّ يدي لمساعدة الدولة الوليدة في حلقي، والسعي بها إلى شراذم قلبي، شطّ بها البحرانُ بعيداً في برهان الظهيرة، فانطلقتُ أغني. اليوم يا خيل أناديك. اليوم. اليوم يا خيل من أجل مُشَاتي أناديك. اليوم. اليوم يا خيل يا قوّتي. أنتِ أنتِ نعم قوّتي أناديك. اليوم. جنودي عازمون على المسير إلى عَرَفات. وفي عارم نشوتي شلَّتني أختامُ الرحيق، وسار بي العنفوان شهاباً إلى تلال الصيد العظيم؛ حيث ترامت فطايس الإحساس والرغبة ما امتدّ البصر. ورأيتني. رأيتني أتقطّر في سائلٍ خالدٍ مُهلك. أتقطّر في نقابةٍ محميّة. أتقطّر في خيانةٍ ناجزة. أتقطر في تكرار الاحتمالات والجهل. أتقطر في إمكاني. أتقطّر في العالم ربّما حبيبي. أتقطّر في أعجبني النوم وليتني أموت. هناك رأيتُ بسمة. فتاة من قريب الساعة خمسطاشر، تدعو إلى الحياة على درّاجة. اسمها اسم النار. لا تنخدع باسمها أيها الفجر، فهي هنا. إنها هنا، وهي تناديك. نعم. وأنت تناديها. هي بسمة. الفيلق الأخير المنصور من فمي وفم حبيبي معاً في غزوةٍ وعدت بإلحاق الضرر. نعم. هي بسمة. طيتان من اللحم تحملان شحنةً فادحةً من المنبع هل تصلان إلى المصب؟. لهذا سنقاتل. صاح فم حبيبي. نعم سنقاتل يا حبيبي. صاح فمي. ثم لئلاً تظنّ أنّا خدعناك أيها الفجر، ها نحن. وهذه كلمتي وسط الحطام على الطريق تزحف نحو كلمة حبيبي فتنكبّ عليها بأحضانها لاثمةً وتلفظ أنفاسها فوقها. وأنت أيضاً، إذا صمدتَ إلى أن تحضر الشمس ظهراً على رأسك؛ سوف يَحضُر بَحْر، وتَرَى حُطامَ فَمَيْن يُبحر مُنشداً كلمات اللامكان.