تَقُولُ السَّاقُ الْحَدِيد
أكَلْتُ في الجحيمِ كتاباً بحالِهِ، تركتُ الكتابةَ
للحياةِ التي؛ كَمَنَتْ هناك، مَلُولَةً، داخل عيني، تتذمَّرُ من أمرِ منزلٍ بها يوجعها
فيه بابٌ نائمٌ بِوَضْعِيَّةِ القبرِ تحت جناحِ الحمارِ، ترنو إليه مغتاظةً، تحكُّ
الجَمالَ الذي في ظهرها بغصنٍ يابس؛ تظنُّ الذي يأكلها في ظهرها جناحاً تَرَكَتْهُ
في القبرِ أو في المنزل.
أكَلْتُ في الجحيمِ جمالاً بحالِهِ تركتُ الحياةَ
تظُنُّ الذي يوجعها في جسدي كتاباً أكلْتُه في الباب أو في الجناح.
يَقُولُ الْمَسَاق
قرونُ الْمَغَبَّات؛ ألطويلةُ هذه، ناميةٌ تحتَ
جِلْدٍ مُبْتَسِم.
رأيتُ وجهي كأنَّه الحلوى؛ في غلافِهِ يزهو
ويُلاكُ بالداخل.
رأيتُ مطلوبي ليس عند أحد.
رأيتُ مِشْيَةَ الكونِ في الحبِّ أجمل في يدي
إذا ما اْبْتَسَمَتْ؛ وهو يطبعُ بالعينِ خطوةً محروقةً عليَّ، تُبْصِرُني أطيرُ، يحملها
إلى الطيرِ ماءٌ يُبْصِرُها، له جناحٌ أبيض تُبْصِرُهُ؛ جناحٌ واحدٌ أُبْصِرُهُ يمشي،
تشمُّها عيني.
جَهْرُ الطَّبِيعَةِ... كِتْمَانُها
المكانُ لو ينطوي على مكانين. في مدينةٍ
يعثرُ الحكماءُ على الأرضِ مخمورةً
والليلُ يؤنِّبُها
وبينهما تتدخَّلُ الزِّيادة.
رفعُ الجبيرةِ عن كَسْرٍ في ساعدِ المقدارِ
أشدّ وطأةً على الحقيقةِ من عاقلٍ يراها.
غيرَ حِمْضٍ متكاملٍ؛ مشرقٍ من أصولِ بُصَيْلاتِهِ
القلبيَّةِ على باطنِ اللُّطفِ، لم يمكن الارتيابُ في هدفِ العناية.
أن يخجَلَ أحدٌ من مثالِه.
سَاعَةُ نَرْدِيَار
الأرضيُّ مطروحٌ على عدمِ الزِّيادة.
لذلك الأرضُ حَاضَت نقاطاً جوفاءَ في الأفقِ
الأعلى.
لذلك أَعْدَمَ اللَّوحِيُّونَ على رأسِ كلِّ
دقيقةٍ (واقفةٍ على لسانِ الجغرافيا؛ واقفةٍ على لسانِ الوجودِ) شيئاً من صفةِ الحاملِ
ليس له سِوَاء.
لذلك النُّجُومَ نَحَرْنَا.
يَقُولُ الآسِف
حضوري كان مُسِيئاً لِيَدِي أمامَ ضيوفها.
غيابي كان مَفْخَرَةَ عيني.
أنُوبُ عن الأشياءِ في موضوعها.
الكَلْب
كلبٌ حيٌّ. كلبٌ حيٌّ في المراسلاتِ الدائمةِ
بين عقلي ولحمي، يجري مع دمي وأنفاسي وينبش في ترابِ خيالي. ومنذ ولادتي لم يتوقَّف
نباحُهُ الذي تسمعه حواسِّي ويسمعه جِلْدِي وتسمعه كبدي وتموتُ فيه عيني ويموتُ لساني
والكلبُ يبقَى.
ما يَطْفُرُ من عيني حين أرى أو أبكي هو الكلبُ
لا النَّظْرَةُ لا الدَّمْعَة.
وحين أقولُ شيئاً، يطيرُ الكلبُ من لساني كأنَّهُ
الكلماتُ تَسْتَمْنِي.
ولا أتنفَّسُ ولا أُفكِّرُ ولا أحسّ.
ألكلبُ يَفْعَل.
ولا أحيا.
حياتي الكلب.
والكلبُ يَبْقَى.
نَظْرَةٌ حُمِّضَتْ في بِئْر
الكعبةُ أقْلَعَتْ طائرةً. الحجرُ الأسودُ في
مُسْتَقَرِّهِ يدور.
البئرُ طارت. جوفُها في مستقرِّ القاعِ يدور.
الصَّبِيَّةُ طارت. الحليبُ من تحت الحجابِ
طَمَحْ، أطفأَ الأختامَ الموْقَدةَ تحتْ. القدورُ به تدور.
الكعبةُ طارت. البئرُ طارت. الصبيَّةُ طارت.
الدَّهْرُ مكتوفاً في مستقرِّ صورتِهِ يدور.
نظرةٌ حُمِّضَتْ في بئر.
يَقُولُ الآسِف
....
لأنَّكَ قُلْتَ إنَّهُ يَجِبُ علينا الرُّجوعُ،
لكن هل تستطيع؟. لَمَا جادلْتُكَ في حقٍّ أنتَ أهلُهُ، إذا لم تَبِضِ القوَّةُ بينَ
أيدينا كلَّ هذه الشَّفاعةِ لأهلِ الحقِّ، في أن يَنْقُضُوا أساساتِ عمرانهم العضويِّ
القديمِ، تقرُّباً لحقيقةٍ بابُها الإنكارُ؛ بابُها الأوحد!.
أَتَرَى؟، ليس بالخَطْبِ الجَلَل!، وما يكلِّفُ
من دموعٍ، إلاَّ بسببِ الجَمال، وبطءِ القارب، وربَّما، إلى حدٍّ ما، بسببِ اْختيارنا،
أنْ لا نَقْبَلَ، في واردِ الإمكانِ، أنَّنا لسنا أهلَ تلك الشَّفاعةِ، وإن أشرَقَتْ،
مِلْءَ أعضائنا، وأعَاقَتْ بصيرةَ الماءِ في لحمنا عن أن تدُلَّنا، ولو بأضعفِ الأيمانِ،
على إحداثيَّاتِ أيَّة نقطةٍ خارجَ الحقيقة، خارجَ بئرها!.
كُتِبَتْ علينا الضَّفائرُ...
فالأمرُ كلُّهُ
إذاً
وَقْفٌ على جَوابِكَ...،
هل تستطيع.
شُهُودُ الْحِيلَةِ أنْكَرُوا
شُهودُ الحيلةِ أنكَروا:
(كلاَّ...، لم يُحاوِل!).
هَتَفُوا
ثمّ اْنصرفوا
ناعِمينَ
وهم يطحنون النَّدى
كما حَضَروا.
الوَاحِدُ، عِنْدَمَا يَكُوْنُ عَلاَمةَ الطَّرْح
الواحدُ، عندما يكونُ علامةَ الطرح؛ مبطوحاً
بمفردِهِ على السطرِ كتمساحٍ مخدَّر،
هل ضروريٌّ أن ينحسرَ طولُهُ خجلاً لتصدِّقَ
التِّكراراتُ الطِّبَاعيَّةُ الموجبةُ أنَّه مقدار؟.
طريحَ البساطةِ الرهيبة، ولا يكونُ قادراً على
فهمِ الدموع؛ إذ تصيرُ الدموعُ شباكاً حرَّةً زاخرةً بالحدودِ والقِيَمِ والأعدادِ
من كلِّ جنسٍ تموجُ حولَه ولا تقبَلُ اْستِخدامَه!.
لديه ألف وجهٍ للفقدان؛ ألفُ سببٍ للأجنحة؛
ليلةٌ واحدةٌ للخلود، أُخرى لتأديبِ الصِّفْرِ وثالثةٌ للبكاءِ وللرضا معاً،
كم أمْسَاً سيقطَعْ بِـ(مِنْجَلِهِــالجَّاذبِيَّة)؟.
وكلُّهُ حسرةٌ على أصابع حُفَّتْ في القسمةِ
بلا ضمير.
تعودُ العنايةُ بالوَرْدِ مضروبةً، وساعدُها
من الْخِزْيِ تحجبُ عينيها.
الترحابُ وعَافَ جِوَارَه!.
ليس إلاَّ فَضْلُ الحَرَج.
مع ذلك، ما الذي يُبْقِيهِ بَشَرِيَّاً قابلاً
للشرح؟.
تَقُولُ النُّجُوم
ساعتُنا انكَسَرَت لأنَّ الأسَدْ.
الأسَدُ في قعرِ بئرِهِ سهرانٌ يحدِّقُ بالأعالي
وبالسافلة. تتجرَّعُ عيناه رؤى السَّبْعَتَينِ عبرَ دائرةٍ ثابتةٍ يتجدَّدُ الكونٍ
خلالها حياةً لا نهائيَّةً يستعرضها خالدٌ على شاشةِ طَشْتِهِ السَّماويِّ...، وليس
يبالي.
الأسَدُ في قعرِ نارِهِ سهران.
يُطْهَى قلبُهُ في جهنَّم، وطليقةً تطيرُ يَدُهُ
في الجَنَّة.
إبادةٌ خُلْدٌ؛ إبادةٌ إعدام.
عينٌ في العينِ وعينٌ في اللام.
أسَدٌ في قعرِ صِفْرِهِ سهران.
وخطوطُ الجَوزاءِ تمرُقُ خاطفةً أمامَ عينيهِ
ولكن
وحدها...
وحدها...
دُونَاً عن كلِّ ما يقدِّمُهُ له الكونُ من
كنوزٍ كالصُّوَرِ تجري على الشَّاشة؛
دوناً عن سائرِ أوْفَاقِ الزمانِ والمكان
دوناً عن مناسباتِ الطبيعةِ المرحة
دوناً عن الممكنِ والمستحيل
دوناً عن الجنَّةِ والنَّار
دوناً عن قوانينِ الأبدِ الكُبرى
دوناً عن الحقِّ والباطل
دوناً عن الطَّيفِ والمِثْقَال،
هي مَنْ تُعَاوِدْ
وحدَها...
ودائماً خاطفةً وخضراء
تجُرُّ ضفيرَتَها على قمرِ العينِ
وتجرَحُ الدَّمعة.
مَوَالِيدٌ لا نَرَاهُم
بِهِم يخضَرُّ الجَّانبُ الآخَرُ خلفَ صُلْبِ
الوجود.
تُزهِرُ في عيونهم كتبٌ إلاَّ نكتبها!...
تنقَصُّ رقابنا توقاً على المساقِطِ إلاَّ نكتبها!...
تَنْتَاقُ عيوننا إلاَّ نكتبها!...
ونسيرُ ونبكي ونغنِّي ونطيرُ ونكتبها،
فَيَنْسَلُّونَ في حذرِ الفئرانِ
إلى الخَارِجِـدَاخِلِنَا؛ إلى الدَّاخلِـخَارِجِهِم،
هنا وهناك؛ من خلف النقاطِ والأشكالِ المتلوِّية،
تُطِلُّ رؤوسٌ وأعيُنٌ صغيرةٌ تتألَّق.
هل نراهُم؟.
مواليدُ الطَّمْثِ والخيالِ والنَّظَرِ والاستمناءاتِ
والنكاحاتِ الْمِثْلِيَّةِ
هل نراهم؟.
يَقُولُ الآسِف
حَجَرُ الذَّنْبِ يزهرُ في بطني.
الشِّقاقُ الذي في خَرْدَلَةِ الكونِ اشتَعَل.
المحاولة.
الكَسْرُ
الطويلُ لَمَّا القِطار.
العددُ المضاعَفُ للممكن.
النَّجوَى من حضيضِ المفرَد.
الحجُّ إلى مصرعِ السَّماحة.
السِّدْرَةُ المجوَّفة.
......
حَجَرُ الذّنْبِ بابٌ إلى التراب.
حجرُ الذنبِ فاكهةٌ من نهاية.
حجَرُ الذنبِ تحميلُ الحياةِ منجَّمَةً على
الرِّحلةِ التَّالية.
حجرُ الذنبِ...
كنتُ سأبْقَى.
اليَد
الأرضُ رائعةٌ هذا الصباح!، كأنها لا تدري.
أكادُ أشعرُ بكلِّ اْنفعالٍ يعتريها؛ شعوري
بفرحةِ كفِّي لمصافحةِ الحبيب.
بل هي، إنْ تَحَرَّيْتُ صَوَابي، لا شكَّ جزءٌ
من جسدي؛ متَّصلةٌ به اْتِّصالاً عضويَّاً محكَماً، وإلاَّ ما وجَدْتُنِي الآنَ في
عُمْقِ حِسِّها وعاطفتها، أتَلَقَّى ما تتلَقَّاه، وأستجيبُ اْستجاباتِها للحياةِ وللشمسِ
وللقمرِ وللزمانِ وللمواسمِ والأطوارِ الدُّنيا وللرُّجومِ وللحبِّ وللهَوان.
أُحِبُّ الأرضَ لأنِّي مثلها صدَّقتُ الأشجار.
أُحِبُّ الأرضَ لأنِّي مثلها جرَحَتني المصافَحات.
أحبّ الأرضَ لأنِّي مثلها حِمارٌ طائرٌ داخلَ
بئرٍ مُسَلْسَلَة.
أحبّ الأرضَ لأنِّي مثلها كُلِّي غُرْبَة.
أحبّ الأرضَ لأنِّي مثلها عُضْوٌ في جسدٍ: يضحكُ
عنِّي ويدمعُ عنِّي ويسبِلُ عينيهِ عنِّي فلا أرى فيُبْصِرُ عنّي ويسيرُ عنِّي ويطيرْ،
وحين ينامُ أبقَى ساهرةً بالبابِ أحرسه من الغيرِ فلا يَشْهَد أحلامنا سواه.
أحبّ الأرضَ لأنِّي مثلها
يَدُكَ الحزينةُ
يا محمد.