Charcoal jar

Wednesday, November 10, 2010

والدوائر ثاقبة الليالي

             من أعمال عمر خيري/جورج إدوارد    
خطوات متخيّلة على السلّم كانت كافيةً لاقتلاعي من السلام. غرقتُ بحالي في دوائري؛ دوائر (عمر خيري/جورج إدوارد) الصاموتية، واكتشفت أنني أتحلّى بالجهل الكافي للكتابة والخجل. فاجأتني هذه الخشية، هذه الحشمة، هذا الاستعداد، وطوطحانية التاج الوجودي المتنقّل، هرباً منّا من الشؤم، إلى رؤوسٍ احتلقت شؤماً حتى سمعنا روائحها الطيبة. وأخجلتني رغبتي في استعادة نفسي موضوعياً لأَسْعَد بالسعادة الماحيَة الصغيرة ـ انتابت صفاقتي ـ بأنني أُسْعِد أشخاصاً غيري كيفما اتّفق، يريدون أن يسعدوني كيفما اتفق، أشكّ في وجودهم، فأهرب منهم إلى ضعفي واحتياجي إليهم وتنصُّلي من المسؤولية والأمل؛ أملي في أن لا أكفِّر عن أية سيئات أكلَت يأسي الغالي وجحودي وغيبوبتي، وأوجزتني في تألُّهٍ وتأنُّثٍ وحرصٍ وجدّية، لئلا يأكلَ الفهمُ وسوءُ الفهم إمكانَ الانتفاع بي، إدراكاً يوقع بي ثانيةً في الأمل.
وما الأنانة. الشغف. الولع. الحماس. الثورة. الثروة. السيطرة؟.
تَرْجَمَاتٌ تَرْجُم المترادفات والجِنَاسات الرمزية غصباً من فم الغول الرمزي الذي لم يأكل أية فاطمة. لهذا أرتاح في الأمواج لأني كنت فاطمةً أرادها غول، وأنطرح باكياً تحت أقدام الصخور لأني كنتُ فاطمةً أرادت غولاً. ولكن الغول الذي كنت، الذي أرادني وأردت، وانحرافي المهذب هذا، واندلاع الطوفان في أعالي رأسي، وثاقبة الليالي، ومِدْرَار نفسي، يعصف بي في الفضاء، فيعتذر العنف عني بلا جدوى متعمَّدة كاذبة.
يوجعني أنني أؤاخذ نفسي بما يدحرها. ولحمٌ يتمزّق سطحاً في خطيئة الكلمات.
لم تكن على السلّم إلا المفارَقَة؛ خطواتي المنحطّة الصاعدة.

Tuesday, November 9, 2010

كَجُنْدِيّ الحياة

ها أنت في جزيرة العقل الصفراء
وقارب الروح يبتعد
والصمتُ يملأ الخفّة ماءً كاملاً
ومن أطراف الملايات منهارة الظلام
عاقداً ساقيك حول الصفير يغرس أظلافه في الصفرة الصفراء المائلة
ترقرقت يداك النهائيتان تجذبان من الكهف ليفة النيغاتيف السوداء يرقةً نائمة
ترقرق المرعى الصغير مشدود العضلات يدبّ على الرمل مبلولاً بالعرق
ترقرقت الألوان الحزينة حشراتٍ تتكلم خشباً
ترقرقت البراءة في نهار حادّ الضياء يحدها من جانبين تقطع أسرع.
وهذه درنة الحدَث المصْمَتة المعلقة قمراً مترنحاً في سماء العقل تنشقّ
وبابٌ سريع يخرج ويدخل لاطماً وجهه بيديه ولا شيء يخرج منه ولا شيء يدخل.
والدُّوَار الدُّوَار وطمث الكهرباء المتقطع يهوي على الرمل ويذبل جارياً،
الدوار الدوار ومن وراء شلال الوميض المختنق يلوح فم الكهف مسدوداً بعينٍ مشتعلة
والجبل يدنو نازلاً بساقيه الرقيقتين مبطئاً من دوران المروحة الهادرة على رأسه
ينغرس الدُّوار ذبابةً في العقل
يرتعد جلد الجزيرة من لمسة الجبل،
والصفير،
تنشقّ حديقة العين المشتعلة
يمتدّ من فم الكهف مصرانٌ طويل تمتطيه كتيبة متخشِّبة من إناث (كَجُنْدِيّ الحياة).

ليست هذه حكاية الأرض


(كُفّ عن تغيير نفسك بما يوافق العالم، ودَعْها تتغير بما يوافقها). مغمىً عليك في الكهف تسمع الصوت واهناً ينبعث من بطنك. تتمهل ناظراً إلى أرفف مكتبتك الداخلية؛ المستندات، المُشِيرات، ميراثك الصغير، مقضوماتك الفقيرة من أرشيف الملاحظات والأفكار والإنسانيات والعلوم الهائل المتراكم عصراً بعد عصر على عاتق الأرض، فتطرب، تميل دائخاً بين يدي ما ترى، وتدقِّق في المحتويات الثمينة، يعروك الخشوع لِلَحظةٍ وأنت تقابل هذه القوة المبهرة: (يا للعالم!). وهي لحظةٌ، قبل أن تصحو من تَمَاطُرك، تدرك خائفاً مخذولاً هذه نفسك. متهدج الصدر تبكي مستعرضاً جوانب الشذرات من مكتبتك الداخلية الصغيرة هاتفاً: (يا للعالم!)، متظاهراً بأنك إنما تنظر إلى العالم عملياً، لا إلى نفسك؛ كنْزك الشخصي المتجدِّد أبداً ما عشتَ تقضم. لكنك لا تريد مقابلة نفسك، ليس لأنك لا تريد ذلك فعلاً، بل لأنك تريد مقابلة العالم، واعترافك بأنك مقيم دائماً في مقابلة نفسك، وأنها المقابلة الوحيدة الممكنة، يحملك أيضاً على الاعتراف بأن مقابلة العالم غير ممكنة، وأنك شخصٌ فانٍ ذو قدرات عملية محدودة، وأن العالم الذي تلتفّ به على نفسك، وتتغنى به متعجباً، وتهتف باسمه؛ ليس موجوداً في الواقع، ولا في الحقيقة، ولا في نفسك، إنما هو مجاز يتيح لك الإقامة مطمئناً في الاستمرارية الخطية الخالدة للعالم ولنسختك الآسفة من الحياة، كذلك الواقع والحقيقة، ويَعفيك من مغبة الشعور بنفسك كتلةً مفردة تدور حبيسةً مثل صاعقة بين جدران كوخ القش. وهذا يحرجك. وهي أيضاً لحظةٌ قبل أن تعود ملتحقاً من جديد بقاطرة التراكم التتابعية، باحثاً في كتلتك الحزينة عن ذكرى غامضة اختلط فيها العالم ونفسك؛ الانبهار والحرج. وصرتَ، كلما أعدت النظر إلى مكتبتك الداخلية، مدركاً هذا أنت، ومحتوياتها هي محتويات نفسك، عجزتَ عن تراها مبهرةً، وأدركتَ من ثمّ أنها قليلة، وفقيرة، ومحدودة، وفانية؛ قلة وفقر ومحدودية وفناء الإنسان، فينتابك الحرج. تعيد النظر من جديد، لا تعيد النظر فعلاً، تعيد إجراءات النظر، وقبل أن تقع في ما تحذر، تُجري تبديلاتٍ إدراكية سريعة على الواقع، فيقع عليك ما تريد وقوعه: (يا للعالم!). هرباً من نفسك المحرجة، تعمد داخلياً إلى تغطية محتوياتها بأقنعةٍ من وفرة وثراء وسعة وخلود العالم، حتى إذا نظرتَ إليها من جديدٍ أبهرَتْك إذ حوَّرْتَ إدراكك لها ليرى فيها العالم، وصرتَ قادراً على تناولها، ومن ثمّ إعادة إنتاجها تشاركياً بالتعبير عنها وهي على مضمار العرض، بعد أن غدت في نظرك العالم؛ جميلة ومبهرة وأخاذة ومرموقة وخالدة وجديرة بالكشف عنها والترويج لها وإبراز مزاياها. إذن أنت تعرف أن ما تراه، إذ تنظر إلى العالم، ليس هو العالم، إنما هو نفسك؛ نطاقٌ مطلقٌ مغلَّف بأغشية حواسك، وفيه تقبع مستنداتك؛ مدخلاتك الشخصية من كل العتاد، وأنت تعرف أن إقدامك على عرضه بصفته الشخصية، يجرِّده أولاً من امتيازات الإبهار التي يقوم عليها العرض من أساسه، وأنت لا تريد أن تقول للشركاء المنكرين أنفسهم بالمثل: هذا أنا، أبهرْتُكم أم لا، هذه نفسي، أشبهَتْ في نظركم العالم أم شذَّت، رأيتموها أم لم تروها أم أبدلتموها نسخةً أخرى. لا تريد أن تنوء بتبعات هذا، تريد أن تقول: أنا منكم، أنا مثلكم، وبي كل خصائصكم الوراثية، أنا من هذا العالم، ألا ترون؟، ها أنا أُبلِغ عن (نفسي)!. لكنها يا مسكين ليست نفسَكَ نَفْسَكْ، وأنت الذي أبدلتها، إنها نفسك وفقاً لصورة العالم، و(لولا الضيوف لكانت البيوت قبوراً: جبران)، احتيال دائم متفق عليه من أجل توحيد الطبعة والحفاظ على التناسق الخَطِّيّ لمجاز العالم، وهو جذر الذرائعية الذي قامت عليه عمليات التواصل الدائمة بين البشر.
ليست هذه حكاية الأرض، لا يريد أحدٌ أن تُحكى الأرض، وإلا لم يكن نافراً مِن أكْل فضلاته الهضمية. البعض يفعلون؟، لذا تراهم يعيشون في أرضٍ خلت من تراكم الميراث والأرشيف والمستند، ولا يجدون حرجاً من أنفسهم، لذا لا ينافسونك على مضمار العرض، لذا تراهم منقطعين عن العالم، لذا لا يقضمون مما أنت تقضم، لذا هم بلا مكتبات داخلية تملي عليهم، لذا لا يشاركون إلا بما تحتل أجسادهم من حيز ولا يباشرون ولا يوافقون ولا يرفضون ولا يتعظون ولا يتذكرون ولا يبلغون عن أنفسهم ولا عن أحد ولا عن شيء، ولا يتمهلون أمام شيء ليس جزءاً من اللحظة، لذا يحرجونك إذ يذكِّرونك بنفسك، لذا تستنكف أن تكون مثلهم، تطلق عليهم النعوت المزرية، وكما أنكرتَ نفسك، تنكر عليهم سلامة وجودهم، وتزجّ بهم وراء الأبواب (المُقْلَقة)، إذ ها هو باقٍ فيهم بعد كل شيء أثرٌ أخيرٌ من الإيجابية؛ أجسادهم: كعب أخيل، وهي المقبض الوحيد الذي يمكِّنك من الإيقاع بهم في الأحكام والعقوبات، وحين ترى فيهم هلاماً سرابياً عارياً متراقصاً بلا مزايا ولا حدود؛ ترى فيهم بلاغة الأرض، فترتعب من هول الغريزة، ويعجزك أن "تعبِّر عنها"؛ فهي دائماً حكاية أخرى. حكاية الأرض فريدة، بمثل فرادة الفضلات الهضمية واختلافها من شخص إلى آخر، بل واختلافها من مرة إلى أخرى في نطاق الشخص نفسه. وبها قِسْ مدخلاتك من وابل الكون على حواسك، فأنت على باب كل لحظة شخصٌ آخر. شخصٌ يحكي حكايةَ الأرض؛ حكايتَه، فما الذي حدث في اللحظة التي تلتها؟، لم تعد تلك حكاية الأرض، ولا حتى حكايته. ليست هذه حكاية الأرض، إنها حكايتك، تقريباً.
(أنتَ أمام الآخرين واحدٌ آخر غيرك: تريستان تزارا). وإنْ أنت لم تكن غيرك من جهتك، كنتَ غيرك من جهتهم، وغالباً ما تكون غيرك من جهتك، وغيرك من جهتهم. شيئاً فشيئاً، بِتَّ لا ترى نفسك، تنظر إليها لمحاً فترى العالم. ولكنها لا تزال نفسك، وما زلت مقيماً في الحرج الذي لا يزول بل يتفاقم، ولم يبق الكثير قبل أن يغدو (العالم!) نفسُهُ محرِجاً. ها أنت تنظر مهموماً إلى ما يحيط بك من بؤسٍ (هي حال مكتبتك الداخلية)، فتمتلئ رغبةً في المناهضة وإصلاح الحال، وقد ترفع السلاح، وقد تكتب، وقد تخطب في الجماهير، وقد تؤدِّي أعمالاً تطوعيةً، وقد تصير قاضياً، وقد تصير مدرِّساً، وقد تصير طبيباً، وقد...، ولكن ليست رغبتك هذه في إصلاح العالم إلا كرغبة القاضي إزاء المجرم، وكرغبة الطبيب إزاء المريض، وكرغبة المدرِّس إزاء التلميذ، وكرغبة الكاتب إزاء القارئ، وكرغبة المسلم إزاء الكافر، إلهاءات، مقاطعات، أدوية، دروس، أحكام، عقوبات، كتب، مؤسسات إصلاحية، وها أنت على سرير بروكستوس، هذا العضو زائد يا أخي عن حدودي فدعني أقطعه من هنا، يقول لك السرير، هذا العضو قصير سأشّده حتى يلائم حدودي، لا؛ لأنّ السرير بداخلك، وما تراه العالم ليس هو العالم، إنما نفسك، والعالم لا يزال مجازاً. وإنما تناهض نفسك أن تمدّ رأسها من تحت الركام. إنه الحرج القديم. وبؤس (العالم!) هذا يذكرك بنفسك، وأنت لا تريد أن تعود ثانيةً إلى هناك، تحلم بأنك لست هناك. لقد تطابقتَ مع صورة العالم، واعتدت عليه طيباً وصالحاً وخالداً ومتفقاً عليه ومحل فخر، وجدير بالاستناد إليه، وها هو يفسد، ذابت حدود السرير ولم تعد تعرف من أين تقطع ومن أين تشدّ، وها أنت محرَج من جديد؛ ليس من نفسك هذه المرة، بل من العالم. وأين نفسك، أليست هذه مناسبةً طيبةً لتفقُّدها، ولكن لا، أنت تعرف أنك بالفعل في نفسك، وأن ما يفسد هو نفسك، وأنك خجلٌ محرجٌ منها هي لا من العالم، وسوف لن تشير إلى ذلك، ها أنت تنبح: (العالم يفسد، يجب إصلاح العالم. ما العمل؟)، شعلة أخرى تضيء وجهك في السرداب. تضيء الطريق أمام القطيع التائه. كما فعلتَ بنفسك من قبل. تغيير. تغيير. تغيير. غافلاً عن أنك لا زلت تعمل في نطاق نفسك، وأن تغيير تغيير تغيير إنما يلحق بنفسك وفقاً لصورة العالم في نظرك، لا وفقاً لها.
كفّ عن تغيير العالم وفقاً لصورته؛ صورتك، فإنك تطلب للعالم شيئاً هو في مناله؛ العالم يتغير فعلاً بما يوافق صورته المتفق عليها بينك وشركائك، صورتكم بالأحرى، ومهما كان مقدار حرجك منه؛ من نفسك، فإن العالم يبقى هذا المجاز: مكتبة الأرشيف اللانهائية لا تكف تنمو وتتسع، فدع نفسك تنمو بما يوافق نفسك.
وأنت شعلة سرعان ما تنطفئ. وما دمتَ كتلةً بشريةً متحركةً فأنت في مفترق بشعب ثلاث: شعبة الذرائعية؛ أن تظلّ منكراً نفسك واقفاً لها تقطِّع أطرافها وتشدها كي تتطابق مع سرير العالم، وهذا شأن أغلبية البشر. وشعبة الغريزة؛ أن تدع نفسك تتغير بما يوافقها، في نقاء بهيمة، متجرداً من الأرشيف والميراث والمستند والمضمار، فينعتونك مجنوناً، أو مجرماً، أو مريضاً، أو جاهلاً، أو حيواناً، ما دمت موضوعاً مادياً قابلاً لتلقِّي الحكم وتطبيقه، وهذا مسموح به لحسن الحظ. وشعبة الذرائعية المضادة؛ أن تدع نفسك تتغير بما يوافقها، مع الحفاظ على مزايا المشاركة كافةً، وركوب المضمار عرضاً وإبهاراً ومنافسةً ووراثةً واكتساباً وتعلُّماً، وهذا شاقّ على أغلبية البشر، ويزول سريعاً ما إن يقع الخلاف بين نفسك والمضمار، وهو لا ريب واقع، فإذا بك في إحدى الشعبتين الأخريين؛ منكراً نفسك، أو مجنوناً، ولعله السبيل الوحيد إلى الغريزة، وبانتهاجه قد تصل إلى كهفك حيث تنمو نفسك بلا حدود، ولا تنس، بانتهاجه قد تصل أيضاً إلى سرير بروكستوس. هذه حكايتك.
...
ثم ماذا ولستَ نفسَك اليوم، ولستَ أياً منهما غداً؟، (في كلِّ منعطفٍ طريقٌ تُغيِّر نفسَك إلى واحد آخر: تريستان تزارا)، عن مَن مِن نفوسك الشتَّى هذه يكون بلاغك يا بطل الذرائعية؟، وماذا إذا إبلغتَ اليوم عن (نفسك) بما يناقض ما أبلغتَ به أمس عن (نفسك)، وما ستبلغ به غداً عن (نفسك)، أيّ بلاغ منها يكون أدق تعبيراً عن (نفسك)؟، و(نفسك) ليست ذاتها في البلاغات الثلاثة؟، وبأي من بلاغاتك يأخذك الشهود؟. سيسهل عليك أن تلوذ بـ(آخِرها)؟، وأنت تعلم أن سيليه بلاغٌ يحذف عنه امتياز آخِريته هذا. دائماً آخِرها؟.
لعلك تلجأ إذاً إلى الأسهل من ذلك؛ أن تقيم في اللحظة مخرجاً دائم التجدد من هذا المأزق دائم التجدد. فهل تستطيع أن تفي لهذه الإقامة الوخيمة بما تقتضيه؟؛ أن تتحرر من الأحكام التعاقبية والتراكمية، منحلاً من أي إدراك تسلسلي أو هرمي للوقائع والمعلومات، منبتاً من كل الامتيازات والملاحظات والتفضيلات والعظات والخبرات التي أتاحتها لك النسخ الأخرى من نفسك والشركاء الخياليين؟، أن تذهل عن كل مرضعة؛ المزايا التحفيزية للذاكرة والتعلم والاجتماع والتواصل والحب والأمل والرغبة، وأن لا يعود ثمة من وجود لأشخاص آخرين ذوي أنفس يعبِّرون عنها يورثونك بلاغاتهم وخبراتهم، أن تتخلَّى عن مكتسبات المباشرة والمشاركة وتأثيراتها على أعمالك واختياراتك وأحكامك، منطلقاً في نسخة من نفسك مغلقة بالتمام لا تعي المكان ولا الزمان ولا الآخَر؟. هل يمكن الوجود في لا أين ولا متى ولا شريك ولا مُشير ولا مُحيل؟. إذاً يمكن التخلِّي عن التفاضل وعن الحُكْم. إذاً يمكن التحرُّر من كل ما يشير بك إلى خارجك، بما في ذلك محض التفكير في وجوده وعمله إلا بكونه جزءاً من نشاطك الشخصي. إذاً يمكن التحرر من حتمية التعبير عن النفس ما دامت هي الوجود، دون أن تتذكر أن الله "واجب الوجود" نفسه عجز ـ في ما يزعم عَبَدته "جائزو الوجود" ـ عن تحمُّل نفسه المغلقة دون أن يعبِّر عنها، فخلق شهوداً، ليذهلهم ببلاغِهِ وجماله ووحدانيته، ووجوده الفريد الفائق. (كنتُ كنزاً مخفياً فأحببتُ أن أُرَى: حديث قدسي). الله نفسه!. يا للهول!. الله يُبلغ عن نفسه. الله يعبِّر عن نفسه.
أما وقد (فشلَت عبادة اللحظة: أحمد النشادر)؛ (اقرأ: عبارة اللحظة) تستطيع إذاً على الأقل، لتنجو من تناقضات ومفارقات إبلاغاتك (المتتالية)، أن تتحرر من وهم تتاليها هذا بالذات، قبل أن تقع في المحذور التعاقبي لأفعالك وأفكارك، وهو أن تبلغ عن نفسك دائماً على ذات النهج وذات البلاغ؛ خوفاً من الوقوع في ما تراه تناقضاً، خوفاً من مقارعة نفس جديدة في كل يوم تستطيل على لاشيء و(تحسب أنها أنا: بوذا). تستطيع أن تتحرَّر من التفكير في نفسك كـ(واحد).
والنفس رديفة التغيُّر، تتخبطها الأهواء والاحتيارات والأحوال وما يحدث وما يصيبها وما تفعل وما يلج فيها وما يخرج منها، النفس متغيرة متجددة شاكَّة منقلبة عليها على باب أية لحظة، فكيف يصحُّ لها يقينٌ أبداً إلا اعتسافاً وتنكُّباً، وكيف لكتابة خطِّية محكمة مبدأية مطمئنة إلى خطابها واثقة من صوابها أن تكون تعبيراً عن نفس؟، كيف لها أن تكون واقعية، والواقع شذريّ متقطِّع مكتظّ بالاحتمالات والفجوات والدوخانات والتجاورات والمجاهيل واللاوثوق واللاإحكام واللامعقول، شأنه شأن النفس. كيف لعملٍ مطلقاً أن يكون محكماً ومنطقياً ومفهوماً، وأن يكون واقعياً في الآن ذاته؟.

Monday, November 8, 2010

النّجاة مجلُودة

كَجُنْدِيّ الحياة
تقول الحياة بسيطة؛ صيدلية اللحم المريض. تقول الحياة بسيطة؛ كتابةٌ بالقوة، داءٌ ودواء، ونفسٌ نَفَسَاء. تقول الحياة بسيطة، سجينُ كهفٍ في جبلٍ في جزيرة، ليس لديه ما يُخفيه. تقول الحياة بسيطة. عُذِّبَت في المراعي. تقول الحياة بسيطة. نقَّيتُ صُدَاعي. تقول الحياة بسيطة؛ صيدلية اللحم المريض. إنها الصيدلية المريضة. تقول الحياة بسيطة.
بسيطة!.
*
كَجُنْدِيّ الحياة
جافَت النقرة خوفها يا طائراً في التراب. طالت الإقامة يا راهب. طابت النأمة في الرهبة. أبقيتَ ولا أبقيتَ من المعدن البراثن أبْلَت البلاءَ الحسنَ البلاءَ الطالبَ المطلوبَ البلاءَ بلاءَ اليوزَرْس البلاءَ العليّ ولا عليك. وقام طفلي الطوفان يبكيك على حافةٍ لم تكن إليك المسقطَ لولا علبة الحب واللمعان المتقطع. وإذا وجدنا القشرة أحياناً كفتنا وأوفتنا طبق التراب الغالي، وكم كم يا اندثارة كم يا انقلاب، يا ناقب النطفة كم ومدرسة الطبيعة المختلطة، وكم جالت الجولةُ أمسَ التراب، جالت جالت وطال الطائل انتفض الفيض في غيض الخرطوم، حرَّرَتْنَا الطَّفرة العمياء من البرطمانية الناظرة. وعَدَا نقرَتْ مُغيرةَ اللحم نقرةَ الوعدِ لم؛ لولا أُعيد البكاءُ مخروطاً بهندامه على الطابية النَّفَسَا نفسها، قاتَلتهما النفسُ، وعاد العيد عودة اللِّيفَة حافيةً من ممر الطفرة يطفئ الخيلَ في حلقه ويبذر في عينك المضمار. خفيفك يا خفيفي، طبلةَ الحب يا سيَّاف، عقيرةَ الدافئ المطمئن المنادي، سأمَ النحاس من رائحته، إمكانَ حائطه الأخير، يا انحطاطَ الخطأ طريقاً إلى الصواب الطافي. الصواب الطبلة. وهذه الأجزاء المحطّمة من أي كمال. هذه الأجزاء المحطّمة من أي كمال. أهي الرغبة العصبية في الكمال. أهي عصبية الكمال راغباً في نفسه. أهي عصبية الكمال راغباً في الكمال. أهي عصبية الرغبة في الكمال. أم هي الآلام الآلام.
*
كَجُنْدِيّ الحياة
عادت النجاة مجلودة، عاد نارُ اليوم طائفاً على القيروان يريد النجاة، ولا لي ولا لي، صرخة الجهاز الجاهز في الكتيبة، عاد ناري من الطيران مجروحاً، عاد اليوم طائراً على كتفيه نشيد العلم. وعدتُ وعادَ ولا عودة. عُدْنا من الرحلة ناجين، بعلبة الطين، بالممكن ينجرّ مقصوفاً على المسطبة، وبالطيران يغلي في العين الغالية، عدنا بالنجاة في الخوف، بأتخفّى تتخفّى، بنامت الجروح في نخاحها، بنامت طَبَرِيَّة الدم لا يريم ولا يستحي، بنجدة الوهلة منك لا يسعفها الطلق، بلا يبيد وأسعِفْ. وعُدْنا بندمع  يا المغيرة يا صيدلية، عدنا بـ يا آخر المرصاد يا طيران، أبادتك نظرةٌ، أبدتَني، أَعِدْني أُعْديك. أبادتك نظرةٌ وأقمتَ فيها. ليت لا حبّ يعيدك هكذا إليّ. ليت لا كان حباً، يعيدك ممكناً إلى علبة المجوهرات المطربة. عُد، ولا تكن العودة الطبق. عُد، عادت العودة عودتها وعادت. عد، ولا تعد. عد. ولتكن الحياةُ الطائفَ الخاطئَ لا يريد إلا لا تعد، وكن العودةَ إطراقةَ الخوفِ إمكاناً من الطين يملأ الطريق عيوناً من الطين لا يوقدها أحدٌ إلا أوقدته. لا تعد، وأبعدني وابتعد، وليكن الإمكان عودةً جوفاء لا يفيها الحب إلا لكمةً على النحر المستعد. عُد يا طائر الأحوال، يا طائري.
*
كَجُنْدِيّ الحياة
له قَرْنَا إرادة. لإرادة الحب إرادة البصل المندثر، ليومية الدفتر العضويّ يوم، وهل يريد مغبة المغيرات لحما؟. ليمكن الممكن في فراغه الغالي، سيهتز تحت وطأته الأغلال. وفي حديقة العين المشتعلة، لا غاية للحب غير زَوَاله. غزوات حاصدة. حملات إبادة توسُّعية عارمة. جائحة تؤول إليها مقاليد الجسد. إسكندر الجسد الأكبر. وها هو مده ينحسر، وجيوشه تهلك، وجذوته تخبو، ولم يترك الحب غير زواله. بقي المحبُّ جسداً (فارغاً مشتغلاً) بزوال الحب، في حديقة العين المشتعلة. في حديقة العين المشتعلة، يجوع الجوع. وإنَّ قلباً ليناً، كثيفاً ثقيلاً دافئاً كالرّغيفة، لا يمتلئ بالحب مختاراً؛ فهو يعرف أنه يقف لا على شيءٍ عدا حزمة المصارين هذه ترقص تحته وهو تاجها المحلِّق فوقها إنْ أحَبَّ يصغر جداً، فيثقل جداً، حتى إذا دنا فتدلَّى قَطَفَتْه الثعابين راكضةً فحزمته في متاع الركض، وقصدت به أرضاً أخرى. وكلما أوهمتُكِ يا مصاريني بأني أحب؛ وقلب العذراء الثقيل يتأرجح فارغاً فوقك؛ آملاً في أن تكون الأرض الأخرى أرض المثيل، طحنتِ أرضاً وملأتِ قلبي ترابا.
*
كَجُنْدِيّ الحياة
كثرةٌ متواطئة. بداية ناجية، وغَرَق.

Sunday, November 7, 2010

انتهى العدل والظلم



(نعم، لي ذيل، وتعوي فيه خمسُ عيون، ويصفع في اليوم عشر عربات على الأقل بخدِّه الأفعوان، راقصاً من طَرَبٍ كلما بُتِر. ذيلٌ نباتيّ خَلُدَت جذوره في قاع نهري السفليّ تمرُق منه الرصاصاتٌ محتكّةً بقشرة الأرض من الداخل ثورةً منوية دائمةً تغذّيها سوائل العنف تطلقها نَوَاتي خصاباً لأية والدة. ولي عقل مُعَنْوَن بالكون شهاباً إلى متر مربع بناصية في شارع الجميعاب الحارة التانية. وعقلي معدنٌ خالدٌ تنخره السراديب حَشْوَتُها الماء. ولي رأسٌ تتفتَّح فيها الخرطوم كلّ لحظةٍ وتمتدّ لساناً من الخوف والنسيان إلى وجهي. وهي رأس عليها شوائب الخوف والنسيان ذاتها النامية في ضمير الحجر الأسود المشعّ ذنوباً، إلا أنها لا النافية. ولي يدٌ فيها فم لها صوت فيه عينان وقلب عليه فأس اسمها الطاعون قااادم. لي طريق لا يطرقها سواي. لي That untaken nothing thing. لي طرمبات صافرة مغذَّاة بروحٍ فاتكة لا تُنال وتلهب أعين الخرطوم وأعين الأبد البائد. لي فاجرتي؛ نفسي البصيرة العمياء طربانة الممكنات البصيرة العمياء في لا يمكن. لي غضبٌ على السطح طائرٌ في الفضاء بالمَحَّاية، غائصٌ في التراب بالأنياب. لي مجارف الأضراس خطَّافة الناس من بتراء الدماء. انتهى العدل والظلم).
(رأسٌ من رؤوس رأس مينوتور السودان أكّالة الجدران الكاذبة، As a creature of a very living null, crossing the muddy null of living، تأكل الجدار المبنيّ من انقلاب العناية بطشاً. تأكل كل عائق كذّاب. تأكل الندم الصغير المطعون في هياج العدل ظلماً؛ والظلم عدلاً. تأكل الخيطَ خميرةً بِذراً، واندلاعاً من براثن التيه السرطان. تأكل even those who are already linked in، اضطرابه. خائن التأمين الاجتماعي، عديم العقل، عديم الخجل، عديم البطولة، المنهار جبالاً من الجُّبن على رأس رؤوسه الألفين ينخرها الذيل السريع الخيوط النامي باختراقات المقاومة النشطة، وتنخرها ديدان الصداقات في هياجها الدوري السريع القذف لا رحمة لا انتظار يا أُكال العين يا رغبة الله يا جحود الإنسان يا رغبة الإنسان يا جحود الله يا ويل الإنسان يا باباً يا ستارة الشاش المقتحَمة، راعِهم راعِهم راعِهم، حتى باتوا هذه العين المكسورة يا اللااااه يا عيناً كاذبةً كسرَت أعين الإنسان على طريق النظرات الكثيرة المُغْضِيَة الرقاصة الضعيفة الطالبة المطلوبة. انتهى العدل والظلم).
(قاتل مقتول. لا أخطأني قاتلي ولا أخطأتُ مقتولي. لا أخطأتُ قاتلي ولا أخطأني مقتولي. لا عفو ولا مقدرة. القَدَر السريع الطلقات هامدٌ على سطح الإرغام. سرعات وإمكانات وسواسية في الأظافر والأنياب والرايات الأُحادية الكذابة المبتسمة. يا باب يا أملاً في البقية. سيفتح الضلال علبةً، ويفتح الخوف علبةً، وإنْ من أملٍ في البقية، فهو انطلاق الحرية المكتوفة الجناحين في الفضاء المجنوحة الكتفين في الزمن. وإن هذا، لا أمل. لا أمل في طرقاتٍ انحَشَت بالطاقة حتى لم تطق المقاومات الآملة في السكون عبورها إلا بأبواب التيارية المواربة. انتهى العدل والظلم).