هل ينشأ
أسلوبٌ إلا بتنظيم مجموعة من الغلطات معاً ضمن نسق واحدٍ يصيرُ في حضنه أسلوباً وتصير
الغلطات خصائصه التي تَسِمُه بالجدّة والفرادة؟. هذا لأنّه لا يَستوي أسلوباً إلا
بفعل خصائصه، فإذا لـم تكن خصائصه غلطات في بدء أمرها، كانت محض انتقالاتٍ صغرى تحتذي
نسقاً قائماً سلفاً داخل أسلوبٍ قارّ، فهي حينئذٍ من خصائصه القارَّة وليست من
خصائص أسلوب جديد. لتصير حركةٌ ما خاصيةً منبثقة؛ نواةً تسهم في إنشاء أسلوب جديد،
يجب أولاً أن تكون غلطة. وإنما بغلطاته، بلعثماته، برطاناته، يخترق أيّ أسلوبٍ حُدُودَ
النسق ليستوي جديداً.
أسلوب
الغلطة أسلوب الأساليب، سديم الأساليب. إنه أسلوب بلا نسق. أسلوب لا يستقرّ قَطّ،
فهو لا يَنـِي يولِّد الغلطات واللعثمات والرّطانات والخصائص المنبثقة. ومن عرينه
تنمو جميع الأساليب. منها ما يبقى طليقَ العنان، مُستمسِكاً بجموحه، يُولِّد
الغلطات والأساليب. ومنها ما يَستقرّ ويَكبح انبثاق الغلطات والأساليب منه، وإنما
وفقاً لنسقه تصدر حركاته خصائصَ قارّة مُستنسخةً لا تشذّ عن النهج، فهذا هو الذي يُسمّى "الأسلوب" على وجه العموم.
أسلوب
الغلطة هو الوجه الخفيّ لكلّ أسلوب، يُداريه ما استطاع، يُهيل عليه تدابير الوقاية
عاداتٍ وانضباطاً وتربيةً وهويّةَ وأصالةً وحدوداً واصطلاحاتٍ وطبائع. وخلف ستار ملامحه
القاسية الحازمة، تكحّ آلاتُ التدابير وتلهث وهي تحاول درء فيضان الغلطات المائر
في صُلب أسلوبها كنزاً يريد.