Charcoal jar

Friday, August 16, 2013

كل شيء يتلاثم، قلبٌ متواصل


جروح كثيرة تتشاحن في الحقل كأنها أنجبت مستشفى، وها هي الآن فخورة بنفسها ترسل إيماضاتها المتواترة إلى الكون في ثقةٍ أطربت (أبادَماك) حتى هبّ من كوخه يتفقّد الكوثر، وحينها رأى (منزوع الكواكب) غارساً أفواهه في الأرض يريد التهامها بفكوكٍ أقلعت أضراسها طائرةً تومض فوقه كالجروح، وترسل صرخات الاستغاثة في تنويعة من الألحان الجماعية لا تتكرر.
ولما كان (أبادَماك) فتىً جديداً، وقد وُلد الآن مكتمل الحنان، وليس عليه بعد إلا أن يُبرز نار المرور من نهديه القويين كي يصدّق العالَم أنه جاهز للمستقبل، فقد رأى، ومعه حق، ألا يُقحِم العالَم في مستقبله. ثم رأى، ومعه ألف حق، ألا يقحم العالَم، ولا المستقبل، في كوثره. ومنصاعاً لقلبه، أيقن أنه سيحبّ (منزوع الكواكب) حباً كالنار حتى يتفحّما وتكَرْبِن أوصال السديم، ثم يَصيره، ناظراً في فخرٍ إلى الكتيبتين المضيئتين في سماء الكوثر تنبضان كقلب متواصل.
(إظلام).
قلب متواصل في ضفيرة لاهثة من النكاح المتواصل.
(إظلام).
على أنّ (منزوع الكواكب) ذاهلٌ في صفوف أفواهه تلتهم الأرض والسماء، يستجدي عصائب النحل الشقية في جوفه أن تجد الرحيق بسرعةٍ، وإلا فالرحيق يَستنزف يَستنزف، حتى لم يعد الجرح يدري أين يضع الضرس. ولأنه وليد ألف فكرةٍ ملدوغةٍ تناكحت في جسدي (وهو يدرك ذلك، لكنه بعدُ لا يراه)، يظنّ الآن أنه أدرك أقصاه، وأنّ الأرض ثدي النهاية: أن يُكِبّ هكذا على فضاء الطين المستحيل يلتهم الهواء بلا أضراس. سيرى أنه ينطوي على مكنون لا نهاية له.
ها هو (أبادَماك) قادمٌ ترفرف حوله ممكنات الفتنة. ويبدو أنّ الحقل، مستشعراً ما سيحدث بينهما في حمى الكوثر، يبارك قلبي بدفقةٍ راضيةٍ من الأطوار تعكس العالَم في عينيّ صوراً تتقاطر من سُرَّةٍ ما تئنّ منشدةً، يمور في أحشائها شجر البرنامج الأسود. ولم أدرِ مَن أسرف منّا في التمادي مع ما سيحدث، لا، ولا مَن منّا يبارك الآخر. وخلتُ للحظةٍ أن الحقل هو الذي سيحدث من شدّة ما تكهرب، ثم رأيتُ الكرم المنساب الهوينى من سُرة الكوثر مسترسلاً ضفيرتين فاق إحكامهما دقّة التصويب حتى صار كلّ شيء يتلاثم.
(إظلام).
كل شيء يتلاثَم: حرب قبَلية في طنين النون.
(إظلام).