الغائب هو الثالث ما لم يحضر، فهو حينئذٍ ثاني اثنين إذ هما في النار. والثالث إنْ حضَر، دائماً، يُحْضِر الجنة. إنه سلالة أية لحظة. أمل الوصال. قيامة التأويل والتمثيل والإلحاق والإسناد. النتيجة المطلقة الكامنة وراء أية عملية. أما في غيابه، فحقائبه تقوم مقامه، وهي ما طاب لهما أن يسمّياه (الحقيقة)، كتيبة صاخبةٌ من الملحقات والتأويلات، أحاطت بصورة الغائب احتياطاً كما تحيط بك الهالة. وحقائب الغائب باقية أبداً تشعّ بآلاء النيابة عنه. على أنه لا يَحْضُر، حين يَحْضُر، حضورَ (الحقيقة) البديلة النافية لما قامت به حقائبه عنه من (الحقيقة)، فالحقيقة والحقائب جزءان من ناظمِ غيابه يزولان في ما يزول بحضوره من مكوِّنات غيابه. فانظر. هَبْ أنك ادَّعيتَ على أحدٍ بأنه (غافل). حينها ينشأ احتمالان لا ثالث لهما، إما أنه (غافل)، وإما أنه (لا غافل). فإذا كان (غافلاً) فهي غفلةٌ مُسنَدة إلى ناظم الغفلة الذي استحضرته أنت بادِّعائك، لا إلى أي ناظمٍ آخر، ولا حتى إلى أي ناظمِ غفلةٍ آخر يستحضره شخص غيرك، وفي هذا تَعْلَق الغفلة بك أكثر مما تَعْلَق به. وإذا كان (لا غافلاً) التحقَت بك الغفلة كاملةً بما أنك استحضرتها، وكنتَ أنت الغافل. لاحظ: لا تصلح المترادفات في أحكام (الحقيقة) أبداً وإلا أبطلت الاحتكام من أساسه ونقضت الدعوى. لذا لا يسعك في هذا المقام أن تلوذ بـ(منتبه) مثلاًَ، مرادفاً لـ(لا غافل) في مقابل غافل. فهذه تنتمي إلى ناظم الانتباه، وفيه يقع اللاانتباه. إذاً، تُمَغْنِطُك الغفلة إنْ صدقتَ في ما ادَّعيتَ على أحدٍ من أنه غافل، وتَصْدُقُ الغفلة عليك إن كنتَ مخطئاً. لذا يَحْضُر الغائب، حين يَحْضُر، ناظماً آخر، لا يقع فيه أيٌّ من ما وقع في ناظم غيابه، مثل حقائبه والحقيقة. وإن استعاذ الاثنان من بعد حضوره بأيّ من نعوت غيابه وملحقاته احتسباه غائباً وغابا إذاً عن حضوره. وبقيا في النار.