(يا للجدار المقوّس فوق المياه). صرخ (نَكتُب) منشباً أظافره على ردف (إسماعيل). كأنْ لم يع الغاية العملية الآثمة من بناء الكوبري بين وهمَي المدينتين. كأنْ لم يعد قادراً حتى على أن يعي آلية الترائي ذاتها، إذ بدت له إغراقاً في السلوك الشعري تتعفَّن الأسرار بين ردفيه عليهما أكاليل الإلهام والمعرفة. ولم تَرُق له خطيئة التمثيل. ومستعيداً ملمس الكتاب الفأس نام بالأمس حوصلةً من القيح في مهبل الوالد، ثم ها هو ينبت بين أصابعه من جلد (إسماعيل) متكسراً تكسُّر البيض الكثير تلده الدجاجة الميتة معتليةً شجر البرنامج الأسود، تهالَك (نكتب) المبهور ناهشاً كتف الكتاب. ومدن السرداب ترقص في الركاكة حيكَت بينها حيَط سرابية تتلوى فهوداً في سماء السرداب، يصرخ عاضاً ذارع (إسماعيل): (حبيبي، يا للجدار المقوس فوق المياه)، وكأنه استبطن الصرخة: (يا للفسوق)، لأن كتابي المتألق عارياً مستدبراً الطرابيز السريعة وهي تعبر الكوبري، وَثَب على الحاجز الصخري القصير، ثم انزلق نحو الزبد المتلاطم بالأسفل تثيره ارتدادات المياه على الركائز العمودية. لكن صرخة الإنسان من على الطربيزة السريعة هزّت الباب، وانهمرت شظايا الصورة ليلةً لا تنضج مكتنزةً بالنموّ على الفرع، وشجر البرنامج الأسود يتأرجح جامداً بين الساحلين. ولما كانت صرخة الإنسان من على الطربيزة السريعة كافيةً لأن يرتج أفق الخرطوم كمن أصيب بسعال، وأن تخرج منه الرقاع الملونة هذه تلتحم على تجاويف الكتاب وهو يسقط، فإن الصرخة (إسماعيل!)، ذاتها التي واكبت صرخة (نكتب)، كانت كافية أيضاً لأن يدرك ركاب الطرابيز أنه مقضيٌّ عليهم في بطني بركوب الكتب. وأنّ عملاً سودانياً بازغاً في كهوف الدُّوْرْسِيد يُملي على كائنات البطن جميعاً أن يوقفوا حيواتهم على ذلك؛ أن يغزلوا البسائط والمركَّبات في روح المكان النائم، أن يزرعوا الموسيقى في بساتين البطن، وكانت تشي ببيض الثعابين تدهسه أقدام ضخمة مجهولة، فيسيل الزلال والمح على الحائط الوهمي الراقد هناك فوق المياه ورقاً وأقمشةً وقوارب في الجهة الأخرى تعبر البطن من الشرق إلى الغرب. و(نكتب) ينظر ذاهلاً إلى امراُة في ثياب سوداء على الساحل، حيث منازل العصفور الكثير، ترفع ظافرةً ذراع البرنامج الأسود المقطوعة. ورأسه الطافية المفتوحة العينين تخترط المياه وراء القوارب كالبجعة.