وها أنا في الرِّقَاب، لا أتعلَّمُ، مطلقاً!. المستحيلُ الذي سَلَخْتُهُ عن أحد مقاعد السَّيَّارةِ البلجيكيَّة، لم يَقْوَ على الالتصاقِ بمعصمي، فَلَعَقَ دَقَّاتِ السَّاعةِ وليلَ أظافري وهرب. لا أتعلَّم، مطلقاً!. المستحيلُ الذي ترك أعوامي بلا فصول؛ بلا شَعر؛ بلا أعضاء، عَلَّمَ ثيابي أن تتذكَّرَ، تخافَ وتخجل؛ أن تتركني بلا معنى، وتُرَافِقَ الأسماكَ إلى المراحيضِ والنَّوم؛ أن تتمايلَ بتثاقلٍ، وهي الفارغةُ، في مَمَرِّ السيَّارة البلجيكيَّةِ المتكدِّسةِ بأجسادِ مجنَّدي كتائب الاسكندر الأكبر. لا أتعلَّم، مطلقاً!. لأنْ... ما الخوف!. لِمَن أشكو عشائيَ الذي صارَ ريشاً سَرْدِيَّاً وأصوات غَنَم؟. لَسْتُ حزيناً، لأنْ... ما النسيانُ سوى وكيلِ الحشراتِ فيَّ والقائمِ بأعمالِ الشَّجَرِ في دولةِ جسدي. لا أتعلَّم، مطلقاً!. لكنَّهم علَّقوني على مسامير. علَّقوني على المساميرِ التي ما اْخْضَرَّت في حقولِ الكوتشينة. أنا عَلَفُ الأباريقِ الجائعة. لم أخبرْهم عن جوعِ الشَّايِ وموتِ أولادِهِ داخلَ الأباريقِ متأثِّرينَ بالقِرْيَافِ الأبديِّ لضيوفِ البواخرِ النيليَّةِ الأتراك. لا أتعلَّم. وأنا الجائعُ، وهو دأبي، أهرُبُ ومنقاري مطبق. جائعٌ أكثر من أن تَسْتَبْقِيَنِي ضيافةُ الصَّباح؛ جائعٌ مثلَ ثيابي؛ جائعٌ مثلَ تَرْكِي بقايا السَّنَوَاتِ وعظامَ النُّجومِ على طاولةِ مطعم «عيون الكلاب» بـ«بطني». أبِيتُ داخلَ ساعاتِ الميِّتين، قربَ أحد مخازن الميناء، عسى تأتي سفنٌ غيرُ منتظرةٍ تَقِلّني إلى جزيرةِ الزَّمَن. قد اللَّيْلَ آكُلُ؛ قد علفَ الأحلامِ وهو يغادرُ الجِّيَادَ العائدةَ إلى قلوبِ النائمين؛ قد يأسي؛ قد هناك. فلا الشَّايُ جَرَحَني، ولا شَرِبْتُ العَرَبات؛ لكنَّه القَصْدُ المشقوقُ، وتَمَامُ التَّسَتُّرِ على كِسْوَةِ العيد، والتَّدَلِّي من عناقٍ ناقصٍ خيفةَ السُّقوطِ في الأعلى تحت جبلِ الصَّوت، وارتجالُ العَجْزِ عن تناول اللَّيلِ بأصابعَ مبلولة. فكيف؟، والمناقيرُ المقصوصةُ يَاهَا!، وفي أيِّ خوفٍ نظيفٍ أَبِلُّ هذا الخبزَ الْمُعَظَّمَ، غيرَ متأمِّلٍ في عفافِ صمتي وشَفَاعةِ الجُّوعِ لي؟. لا أتعلَّم، لأنْ... ما أنا!. لستُ مَن شَخَرَت الأبوابُ والصباحاتُ مِلْءَ قميصِه؛ مِلْءَ قميصي ترابٌ وعظامٌ وتهاويل، وثيابي تشبه النسيان. لا أتعلَّم، لأنْ... ما إن أهُمَّ بمحاكاةِ أصواتِ البَحَّارةِ الْمَكْوِيِّـينَ بحرصٍ على طرابيز العاطفة، حتى يتوجَّع لساني كدجاجةٍ حَامِلٍ وتَسقطُ منه غُرْبَةٌ كبيرةٌ تصيحُ بلا شفاه. فإن حَدَثَ وتذوَّقْتُ امرأةً ملفوفةً بالكتَّان من الزّجاجةِ رأساً دون أن أصبَّها على القدح، خَفَّت الأشجارُ مذعورةً من مَدْرَسَتِها البعيدةِ في قلبي إلى مستنقعات عيوني، فلست بمستطيعٍ مَشْيَاً بَعْدُ من شدَّةِ اشتباكِ أفكارِ الحيتانِ بأصابعِ قَدَمَيّ. لا أتعلَّم، مطلقاً!. لأنْ... ما أنا!. لستُ الحضور. لستُ الغياب. لستُ الوعد. الصورةُ منزلي، والأبوابَ أفترس. فما شكلُ الخوف؟. صباحٌ ثقيلٌ داخلَ السَّلَّة؟، أم طماطم لُغَوِيَّةٌ تشبه النسيان؟. ما النّسيان؟. لا أتعلَّم!. إنَّ الصَّلَفَ الظَّنُونَ الذي يبتعدُ عن يَدِي على مَهْلِهِ، ويتأرجحُ هناك، بين اْلْتِذَاذِ نَقَّارِ الخشبِ وروحِ النشيجِ الملفوفِ بعنادي، يَشفُّ بسرعة، ويلتمع عند حدودِ انحسارِ الطاقةِ الشخصيَّةِ التي أوْدَعْتُها في ألْيَافِهِ لتمثَّلَ وجهي ومجتمعي الخاص. ولو الهديلُ يتعفَّنُ بالذِّكْرَى محشورةً خرساءَ في موقفِ بكتيريا التحلُّل!؛ لو الطيرُ تَمَّحِقُ في صلاةِ السُّهوبِ على آلهةٍ جبليِّين صاروا أساور وأقراطاً!؛ لو الخفاءُ يأخذُ العالَمَ وتذهبُ الأُمَّهَاتُ إلى معتقَلِ جهنم الكبيرِ بحثاً عن أبناءٍ أطاعوا الألَمَ والمستحيل!؛ لو...