أحدّثك الآن عن بداية العالم التي تأكل نفسها كل لحظة. لن يكون هذا أقل سخفاً من طرشقة لبانة، ولن يمنع الناس من محاولاتهم الملحّة للقبض على بداية العالم إثباتاً لوجودهم واستثماراً لأجل بقاء النوع. لكنه سيكون قرناً، شوكة، فكّاً، ومخلباً أيضاً، عرفاناً وبرهاناً أكيداً على أن العالم لم، ولا ولن، يبدأ أبداً في لحظة ما، إلا ليبدأ أيضاً في كل لحظة أخرى. وسنعلم عندها أن هذه السلسلة التاريخية الطويلة ليست ولا حتى رماد العالم، ما دام العالم يبدأ فعلاً في بطن كل لحظة ويحدث ويصير. هكذا. واللحظات لا تتوالى، كما تعلم. وعندما يحدث العالم في بطن هذه اللحظة، يكون حادثاً أيضاً في بطن اللحظة التي هي تزحف الآن إلى جانبها في رأسك يا أنت الذي نأيتَ كثيراً، كما ترى، عن المستقبل، وها أنت ذا ترغب في البكاء. سوى أنك لن تبكي. إنك لن تبكي، تمام؟. نعم، يؤلم الحاضر بطنك. ونعم، كلما أخبرك الماضي بأن المستقبل يؤلم أكثر، ترغب في البكاء أشدّ مما بكيت يوم بكى ذلك الرجل الجميل على فراشك وهو ينوح محروقاً بأن العربات!؛ عربات السمك يا حبيبي، قد انقلبت كلها عند ناصية السوق. لكنك الآن لن تبكي. عدني بأن لا تبكي، عدني بهذا. أنت تعرف أن المستقبل يرقد الآن في بطن بداية العالم التي تأكل نفسها كل لحظة، صاح؟.