Charcoal jar

Saturday, December 9, 2017

Archetype

تنهض الأنقاض منهكة وجائعة ولا تملك أن تفعل شيئاً غير أن تترنّح. لكن إذا نظرْنا إليها أدركنا حالاً أن الترنّح لا يروق لها إطلاقاً لذا نراها تحاول جاهدة أن تسمو به إلى مقام التلفّت. إنها تتلفت إذاً، ليس قلقاً ولا بحثاً عن شيء، إنما هي تفعله وحسب. وربما صحّ لنا في هذه الحالة أن نهمل الفروق العُرفية بين الترنّح والتلفّت والتنفّس. تتلفت الأنقاض حولها وتراه منتصباً، حيثما هي نظرٙت، ومكتفياً بذاته يتجشّأ من فرط الشبع. وهي لا تملك الآن غير أن تشتهي هذا الذي ترى. لا تفكر في ذلك لحظة، إنما هذا هو ما يعرف جوعها ويريد. يريد جوعها أن يأكل هذا الذي ترى، أن يلتهمه، أن يفترسه.

ينتبه الجمال من سرحته على حدس مُلحّ بأن هناك من يراقبه. ليس بتلك النظرات المختلسة التي اكتفى عنها بذاته وتعلّم أن لا يلتفت إليها (وإلا توارت خوفاً  أمامه على وفرتها؛ لقنوعها من شهوتها إليه بأنها محض ذيوع لا يستحق منه التفاتاً)، إنما يراقبه مَن يراقبه الآن بنهم لا يملك الجمال إزاءه إلا أن يجوع إليه أيضاً. هنا، وقبل أن يلتفت الجمال إلى مَن يراقبه، يدرك حالاً أن شبعه لا يروق له إطلاقاً وعليه أن يسمو به إلى مقام النهم. وربما صحّ لنا في هذه الحالة أن نهمل الفروق العُرفية بين الشبع والنهم والجوع. ينظر الجمال إليها ويرى أجمل ما يكون. لا يفكر في ذلك لحظة، إنما هذا هو ما يعرف جوعه ويريد. يريد جوعه أن يأكل هذا الذي يرى، أن يلتهمه، أن يفترسه.

الأنقاض جائعة والجمال جائع، يقفان هنا، حيواناً لحيوان، ينتفشان متأهبين، ينقضّان.


ينهض الجمال مترنحاً، أشدّ شبعاً ونهماً وجوعاً، أشدّ جمالاً، يتلفّت.