(1)
الحِمَارُ
المجنونُ الضَّالُّ ما زالَ يطوفُ أعلى الوديانِ، وحَمْلُهُ الرَّجْراجُ يَدْفُقُ
من ثقوبٍ كثيرةٍ على الكونِ المُوسَوِيِّ هذا. الحمارُ المجنونُ الضَّالُّ في
الصُّورةِ الصَّدِئة؛ صورةِ الانسجامِ الوطيدِ لعقلٍ مُدَوِّنٍ، يسافرُ باكياً
داخلَ المادَّة، ولا شيء يُلْهِيهِ عن أشِعَّتِهِ وهي تَنْحَلُّ وتتفسَّخ، فيبقَى
حاضراً بحواسِّه كلِّها؛ شاعراً بإيقاعِ الهندسةِ الكليِّ في لحمِهِ يتقوَّضُ من
طولِهِ وينقَضُّ على ليلِ التراكمِ والملاحظة.
كأنَّ
العَطَبَ الخالدَ الذي أصابَ المهدَ الجلدِيَّ الحيَّ؛ مَهْدَ الرضيعِ، كان سبباً
في تسرُّبِ كلِّ هذه الأسرارِ من داخل التلميذِ في طريقِهِ إلى اليومِ التَّالي.
آلةُ
العَمَاءِ الواحدة؛ فريدةُ جنسها، محبوسةً داخلَ جِلدِها المُطَلْسَمِ بالحياةِ
تنثرُ ـ من خُرُومِ صغيرةٍ بهيكلها ـ حروفاً من اللَّحم النَّابض المُتفَتِّقِ
طَيَّاتٍ طيَّاتٍ، أثناءَ تَطْوافِها الأعمى فوقَ المغاربِ الحائرةِ والحقولِ
المستحيلة. يسيلُ لُطفها الملْغِزُ في فَلقَ المكانِ، يُنَقِّطُ:
«تَفْ
تَفْ
تَفْ»...
على
الأسْطُحِ الصَّمَّاءِ لحاسَّةِ المرعى
ويتمزَّق.
(2)
إذَنْ
أضَعْتُك.
أمْطَرَتْ
أوَّلاً ـ قبلَ رحيلي ـ مُزَقَاً من بَهَاءٍ داخليٍّ منْظورٍ له شُعْلَةٌ سَقَطَت
على شَعْرِكِ الأْغَرِّ مِنْ أيْنٍ فاصلٍ أشْرَقَتْ في أعالي فُيُوضِه.
أمْطَرَتْ
بعدَها أطواراً من سالبٍ شمسيٍّ خَمِيرٍ، وزُمَرَاً من سادة الينابيعِ الصُّفْيَا،
دَمِعَتْ جُرُوحُهم أمكنةً، أقْعَوْا منهكينَ، وأنَّوا، فمالت من خلفهم المحاريثُ
وأمْسَكَتْ عن تَقْلِيبِ هذا العقلِ بأسنانها الحادَّة.
أمْطَرتَ
تالياً أدْوِيةً هبائيَّةً شَتَّى؛ جُملاً اسْمِيَّة برائحةِ الكَرَاوْيَا
والثلاثاء وزهر الذُّهول، أخلاطاً من مُجَرَّباتِ عَطَّاري جَنَّةِ المسعى،
والمصنَّفاتِ الأزلِيةِ الخالدة، فجَرعْتُ الزِّراعاتِ كلِّها مغسولةً بمياهِ
التباديلِ عن لوحِ الحجابِ المكتوبِ في غفلةٍ من الواقع، وسَرَتْ مِحَايَةُ
القابلِيَّاتِ الرَّقميةِ في لَحْمي زهوراً من عُوَاءِ التكوينِ والقَصْدِ
المُمكنِ والآبارِ الطَّائرة.
أمْطَرَت
يَدُكِ الحَبْلَ واحداً، كالسِّراطِ المستقيمِ؛ السِّراطِ الذَّيلِ، السراطِ
الأفعى. كالسِّراطِ الرَّابطِ الشرِّيرِ المهتاجِ دوماً بين لحمي وميثاقٍ قديمٍ
خَتَمْتُ عليه في مَبْدَأ الذَّرِّ، وكان للحبلِ وجهٌ مَطِيرٌ يتقدَّمُهُ، حَطَّ
على وجهي سريعاً وطار. تَهَدَّل شيءٌ في الهواء كبرْزَخٍ أخطأ وِجْهتهُ وأبْطَأ
بيننا وتعطَّل.
آآآ...
ثِمَاً، آثِمَاً...، مزجتُ القطارَ بالممكنِ في كأسٍ مشقوقة، لَعلِّي أُجَبِّرُ
كَسْراً في قيامةِ قِسْمَتِنا المطوَّلة. سَمِعْتُهُ واضحاً:
«تَفْ
تَفْ
تَفْ»...
صوت
الحقيقة.
(3)
شيطانُ
الأشياءِ المحطَّمة؛
شاهداً
على حَيْضِ الضَّمِيرِ في المعبد:
(نَهَضْتُ
فَوْرَ انحسارِ القَتْلِ أُحْصِي رِزْقِي:
«الكُسُورُ
الحُلْوَةُ مِلْءَ قبضةِ الزَّهرة. طَوَائِفُ الطَّرْحِ الحبيبةُ تَغْلِي كالأفاعي
بِبَطْنِ الكِتَابِ الغَرِيزِيِّ. حُفَرٌ في مِيَاهِ المياهِ اكْتُظَّتْ بأطوارِ
اليَرِقَاتِ من ضفادعِ الأنْفُسِ الجبَّارَةِ انْصَفَقَتْ عليها سماواتُ الصَّاج.
جماعاتٌ من حُفَاةِ الأكْبَادِ الفَارِّينَ تَيَبَّسَتْ أوْصَالُهم على السِّيَاجِ
المعدنيِّ المشْحُونِ بالموسيقَى..........».
كلُّ
الحُطَامِ كانَ طَيَّ شِبَاكِي. بَعْدَ حِسَابِ مَا لِي وما عَلَيَّ، ثمَّ طَرْحِ
حصَّةِ المعبدِ من مَجْمُوعِه، قَيَّدْتُ في سِجِلِّ القَدْرِ ما رُزِقْتُهُ
صَافِيَاً لهذا الموسِمِ الباقي مُصَنَّفَاً فِئَاتٍ اعتباريةً بِمِقْيَاسِ
التَّفَاوُتِ الظَّاهِرِيِّ في الضَّرَر. اتَّجَهْتُ إلى المعبدِ خَاشِعَاً
لتَوْرِيدِ المعْلُوم. تَحَفَّيْتُ عندَ البَابِ من كُلِّ الزِّيَادَاتِ
الفَارِغَة، دَخَلْتُ مُسْتَأْمِنَاً في سِرِّي سَادَةَ النُّورِ العَاصِفِ تحتَ
الطِّينِ أنْ يَشْمَلُوا بَدَنِي بِحِصْنٍ يَقِيهِ أهوالَ البابِ وتَنْكِيلَ الجَمِيل.
لم يكنْ هُنَاكَ مِنَ الأَهَلِ أَحَد. انْبَسَطَتْ أمامي صَقِيعَةٌ شاسعةٌ لا
يَحِدُّها جَامِد. كَأَنَّ قَوِيَّاً عَمَدَ إلى بَاطِنِ المعبدِ الضَّيِّقِ
المحصورِ فَمَدَّ مِنْهُ أَلْفَ طَيَّةٍ مَكَانِيَّةٍ على مَادَّةِ الأَفْوَاهِ
الجَانِبِيَّةِ الكثيرةِ المجاوِرَةِ، ثُمَّ ألْقَى بِحُدُودِهِ إلى خَلاءِ
الصِّفْرِ يَبْتَدِرُ الكَوْنَ بِمَوْسِمٍ لانِهَائِيٍّ من الحَصَادِ الضَّارِي في
الإبَادَةِ المحْصُولِ الإبَادَة. وَحْدَهُ الضَّمِيرُ مَنْ كَانَ ثَمَّةَ؛
مُقْعِيَاً في قِمَاطِ النُّبَاحِ الطَّاهِر.
الدَّجَاجَةُ
في الإبَاضَة.
يَئِنُّ
في وَجَعٍ بَاهِتٍ، وخُثَارَةُ المجهولِ العَفْنَةُ تَجْرِي هَوْنَاً على
سَاقَيْه.
الحُمَمُ
البُرْكَانِيَّةُ المتَّئِدَة.
قَبْلَ
أن تُمْطِرَ:
«تَفْ
تَفْ
تَفْ».
دُونَ
بَاطِنِ رُكِبَتِهِ على الحَرَم.
والبَابُ
على مَا أَقُولُ شَهِيد).
لِحِكْمَةٍ
ما؛
يَتَجَاهَلُ
المُحِبُّ شَهَادَةَ شَيْطَانِ الأَشْيَاءِ المُحَطَّمة.