سأخبرك بأمرٍ لا أعرف
لِمَ سأخبرك به. ولا أعرف إذا كان عليّ أن أنتظر منك رداً عليه، أم أنني أريدك أن تسمعه
مني فقط. حقاً أريد أن أخبرك به. لا لأعرف رأيك فيه، ولا لأرى كيف يبدو لك. على أنني
أعلم أنني أخبرك به، لأنني لم أعد قادراً على الاكتفاء باجتراره وحدي. ولا شكّ لديّ
في أنني سأجد منك رداً عليه، وإن لم تقل شيئاً. لهذا أظنني أخبرك به. لأنني أريد منك
رداً عليه. سأخبرك إذاً. ولكنني أخشى من أثره أشدّ من أن أجترّه وحدي. لا أعني أثر
الخبر، وإنما الإخبار. أخشى أن لا تردّ عليّ، وإنْ تحدَّثتَ، فلا يتحقق لي ما أردته
من إخبارك. وأخشى أن تردّ عليّ، وإنْ لم تتحدّث، فلا يتحقق لي ما أردته من إخبارك.
ولكن ما الذي أريده حقاً من إخبارك؟. إنه أمر معقّد كما ترى. وسيكون تبسيطاً فادحاً
أن أختزله في عجالة إخبارية تجعلني كمن أفرّ منه لا كمن أحاول الإقرار به. وهذه مدعاة
لتناقضٍ عمليّ واضح. كيف يتسنى لي أن أخبرك به حقاً، وأن أتنصّل منه بذات الحجر. لأخبرك
به، وأتنصّل منه، يجب أن تكون صورته مستكملة لديّ أولاً، ومشفوعة بالبيان اللازم للخبر.
وهي غير مستكملة لديّ إلى حدّ أنها فجوة، إلى حدّ أن فمي يسبَح فيها، إلى حدّ أنّ استكمالها
سيُغنيني عن إخبارك. وهذا هو إذاً بالضبط ما أريده؛ أن أستكمل صورته لديّ. وسأستكملها
منك. ستكون القناة بيننا مزدحمة جداً. سيكون عليّ أن أخبرك به وهو غير مستكمل لديّ،
على أن أستكمله منك أثناء عملية الإخبار. سيندفع منّا تياران متعاكسان يطحنان بعضهما
البعض. والمربك في الأمر هو أنك سترسل إليّ تيارك بينما أتحدث إليك. أما وأنني أريد
أن أخبرك به، راغباً في توسيع مدّه إلى نطاقٍ أبعد من حدودي، فهذا إثبات. أما وأنني
أريد أن أخبرك به، راغباً حقاً في التنصُّل منه على ذات الموجة، فهذا محو. أريد أن
أخبرك به لأثبته، ولكن أريد أن أخبرك به لأمحوه. أعرف الآن ما سيحدث، سيتحول الخبر
أثناء حديثي، وحين أنتهي من إخبارك به، ستكون أنت من أخبرتني به. ها أنت، كما ترى،
تعرف ما أردتُ أن أخبرك.